معركة التعليم ليست قطاعية بل وطنية

535

**” لاتحدد المسألة التربوية هو تعبير عن انفتاح المساءلة الديمقراطية حول
أهداف التعليم”*

*بول ريكور*

تواجه نقابات التعليم بمختلف هياكلها تحديات كبيرة أمام تعنت سلطة الإشراف
وتجاهل مطالبها الشرعية ونفاذ صبر المنتفعين بالخدمات التي توفوها المؤسسات
المدرسية والجامعات من تلاميذ وطلبة وأولياء.

ربما يدفعها هذه الوضعية القصوى إلى اتخاذ إجراءات تصعيدية تساندها المركزية
النقابية وتتمثل في أشكال نضالية مبتكرة تفاديا السنة البيضاء وتتميز
بالعقلانية والمرونة مع التمسك بالمبدئية والنضالية.

لقد أصيب المشهد التربوي بشلل ودخل الجميع في حالة من التجاذب والاحتقان وزاد
منسوب التوتر بتعطل لغة الحوار والاستخفاف بمنطق التفاوض وتعطيل التفاهمات
والتنصل من الاتفاقات السابقة وتم تغليب خيار الإفشال الذاتي والهروب إلى
الأمام وتأجيل عميلة الإصلاح الجذري ومبدأ التثوير المستمر.

لقد التحق المشاركون بالمعركة المصيرية بشكل اضطراري ومن روافد مختلفة ولهم
مطالب متنوعة ولكن اشترك الفاعلون من نواب ومتعاقدين ومدرسين وموظفين في
الملحمة من أجل تحقيق منافع قطاعية وتناسى الكل حساسية الوضع وهشاشة الموقف
والحاجة الماسة إلى إحداث النقلة النوعية للحقل التربوي.

والحق أن المعركة حول التعليم هي معركة وطنية تضم قاعدة عريضة وليست مجرد
مطالب فئوية ضيقة لمجموعة من العاملين بالفكر والساعد وأن تدار في قلب المعترك
السياسي وتجري فوق تضاريس الحراك الاجتماعي وهي غير مفصولة عن استحقاقات
استكمال المسار الثوري ومستلزمات الانتقال الديمقراطي.

معركة التعليم هي ملحمة من اجل انتزاع الاعتراف ورفض السلعنة والتفقير الممنهج
للطبقة الوسطى وانتصارا للكرامة الإنسانية وبحثا عن معانى التربية المفقودة
وعن القيم الجامعية المنتهكة والمقلوبة وتفعيلا للمرابطة من أجل الحقوق
والتزاما بالمجانية في طلب العلم والعدالة الجبائية وتشاركية التسيير.

من الضروري دعم مسارات المقاومة والاستثبات في الساحة النقابية وتجذير
الممارسة النضالية في الواقع الاجتماعي دون المساهمة في تعطيل المرفق العمومي
وتدميره منهجيا قصد التفويت فيه للقطاع الخاص.

من حق المربين النضال النقابي في سبيل تعزيز مقدرتهم الشرائية والتمتع بالمنح
الكافية بغية تأمين دخل جيد وتقاعد مناسب وتوفير حياة أسرية متزنة ومساهمة
تربوية محترمة ولكن من حق المجتمع تدعيم قيمة العمل وتعزيز السلوك المواطني
والدفاع عن وظيفية المؤسسة العمومية وحرمة الامتحانات والمناظرات.

يجدر أن يتم إحداث “خلية تفكير وعمل” خارج الأطر المتصارعة وتكون مهمتها رصد
المشهد التربوي وتشخيص المشاكل وتجميع المطالب وتوفير المعطيات والأرقام
ودراسة الواقع المؤسساتي بشكل علمي وفهم العناصر المنتجة للأزمة والمكونات
التركيبية للمشكل وبرمجة جملة من المنافذ والمسارب الممكنة.

في نهاية المطاف يجوز التفكير في وضع من السلم الدائم في المجال التعليمي بعد
تحمل جميع الجهات مسؤولياتها وتلبية الاستحقاقات الراجعة بالنظر للقوى الفاعلة
وتشريك المجتمع المدني في الاستشارة.

المطلوب بشكل عاجل في الحقل التدريسي هو رصد الاعتمادات المالية الكافية ورفع
ميزانية المؤسسات وإجراء حوكمة ناجعة ومراقبة قنوات الصرف والإنفاق وإعادة
بناء شاملة وإعادة تجهيز كل للمنشئات. غاية المراد أنه لا يقدر أي كان على
بلوغ تعليم عصري يحقق مستقبلا واعدا للمتعلم دون مكانة اجتماعية محترمة
للمربي، زد على ذلك يحتاج العمل النقابي الى مواكبة للتحولات وتطوير وسائل
الاتصال وتقديم برامج إصلاحية بديلة وتحيين شعاراته وتنظيم الحراك الاحتجاجي
ضمن برنامج عمل اجتماعي وطني. فمتى تصبح المدرسة من الأولويات العاجلة للدولة
والمجتمع الأهلي ومحور تفاهم بدل التنابذ والتنازع؟

كاتب فلسفي

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

آخر المواضيع