قراءة في همرات شوارسكوف للشاعر كريم عبد الله

837

قراءة في همرات شوارسكوف للشاعر كريم عبد الله

بقلم : جون هنري سميث

16/4/2019 .

تكتب القصائد بالصور الشعرية لا بالكلمات المفردة.الصورة انعكاس لحقيقة موضوعية في ذهن الشاعر-الانسان. الإنسان لا يفكر بالكلماتوإنما بالمفاهيم وما الكلمات إلا جزء من العلامات التي يعبر بها الانسان عما يجولفي ذهنه من افكار وحالات وحقائق  فتسمىدوال. وعلى هذا الاساس لابد ان تكون العلامة منطوية على نفس الدالة في اذهان كل متداولياللغة المعينة لكي يتم التواصل بوصفه الوظيفة الرئيسية للغة.  لكن هذه العلامة لا تمثل بمفردها صورة شعريةطالما ان لها دلالات ثابتة ومتطابقة تقريبا في اذهان الناس. فهل كلمة “وردة”وحدها تمثل صورة شعرية. بالتأكيد لا، لأنها كلمة واحدة لها دلالات متطابقة وثابتةتقريبا في اذهان كل متداولي تلك اللغة تقريبا بفارق التصورات والتجربة الذاتية. وعليهتكون الصورة الشعرية مختلفة المعنى. اما إذا اضفنا كلمة جميلة للوردة “وردةجميلة” تصير لدينا صورة شعرية متكونة من اتحاد كلمتين واحدة ملموسة والأخرىمجردة بينهما علاقة دلالية متمايزة عبر علاقة تناظرية. اذن فالصورة الشعرية لاتتكون إلا من اتحاد على الاقل كلمتين بينهما علاقة دلالية متمايزة عبر علاقةتناظرية. بهذه الكيفية تعمل الصورة الشعرية.

تمثل الصورة/ الانطباع الذي يحدث في ذهن المتلقي عندما يستقبل علامة ما سواء كانت مكتوبة اومسموعة المجوع الكلي للخواص الرئيسية لتلك العلامة، بحيث يكون لها اكثر من دلالةفي اذهان المتلقين كل بحسب تصوراته الذاتية. و ليس بالضرورة ان تتوافق هذه الدلالةمع الغاية الاساسية “للخلق” الذي ينشا بالأصل في ذهن الشاعر او مؤلفالصورة الشعرية . فإذا كانت الكلمات المفردة تعكس في اذهان المتلقيين دلالاتمتعارف عليها، فان الصورة الشعرية تعكس دلالات تستخدم للمرة الاولى. وهنا تكمنقيمة الصورة الشعرية اذا ما وضعناها تحت عنوان المعنى اللغوي الذي لا يشمل المعنىالحرفي للكلمات التي نشأت منها الصورة الشعرية وإنما يشمل المعاني العاطفيةوالموحية الاخرى  باعتبارها تفوها يمثلرمزا لغويا يعتمد معناه على عوامل سياقية لا على المعنى الحرفي المنطقي للكلمات وحدهافي ترتيب معين. وهذا يقودنا الى تحديد طبيعة اللغة الشعرية وكيف تعمل بهدف الارتقاء بالحس الجمالي لدى المتلقي المنفتحوالمهيأ لتلقى محاسن اللغة. من اجل بلوغ هذه الغاية، نرى الشعراء العظام يغربلونمفرداتهم ويجودون مبانيهم ليخلقوا منها ان من البيان لسحر، مميزين بين المعانيالحرفية والمجازية لأنهم يدركون ان للغة طاقة ايحائية فذة، فهي بالإضافة الى ماتنطوي عليه من معان حرفية فأنها تنقل في نفس الان معان اضافية، معاناجتماعية-ثقافية تمثل كل شيء اخر غير المعنى الحرفي. فاللغة لا تنقل معلومات فحسب وإنماتنقل عاطفة  مستحثة. وهذا الايحاء لا يكون مجموعاكليا متطابقا وثابتا في ذهن المتلقين كما هي الحال بالنسبة للمعان الحرفية، وإنمايلقى بظلال شتى.

تتكون الصورةالشعرية من عقد بين كلمتين او اكثر بينهما علاقة دلالية متمايزة عبر علاقة تناظرية.عقد بين كلمة ملموسة وأخرى مجردة مثل : وردة جميلة او مجردة وأخرى ملموسة جميلة هيالوردة وملموسة ملموسة مثل ليل بهيم ومجردة مجردة وربما فعل وكلمة ملموسة وأخرىمجردة مثل تمزق قميص الليل وربما من الكلمات اكثر مثل “تمزق قميص الليل من الحب”.ومن هذا التعاقد تنشا الصور الشعرية.

ان قصائدالنثر التعبيرية تركز جل اهتمامها على ما تختزنه الصورة الشعرية من طاقة ايحائية لكي ترتقي بالحس الجمالي للمتلقي، فهيقصائد تفيض احاسيس وعواطف جياشة لا تستدرها الطاقة الحرفية للكلمات والجمل كمؤشراتللمعنى فحسب وإنما تتضافر معها عوامل سياقية الموسيقى وحركات الجسد وحتى الصوتالمحض، لا الرموز التعبيرية فقط وإنما العلامات الدلالية كالإيماءة ايضا كجزء مناللغة. اذن هي تهتم بما توحي به عناصر  ذاتقيمة  جمالية. فالإيحاء يمثل روح الشعر، انهينبع من تضافر المعان الحرفية والضمنية معا، فمثلا عندما نقول “فتاة جميله”فأننا قد لا نقصد بذلك مفاتنها الجسمانية بل سحرها الذي هو شيء غير مفاتنها الجسمانية.فهذا السحر كمعنى لا ينتمي الى الحرفيات وإنما  ينتمي الى الضمنيات الذي يستشف من القصيدة ككل.ان هذا المعنى التعبيري هو فكرة او مجاز لكن المعنى الموحى هو فكرة او مجاز اوعاطفة لا يفهمه العارفون بالنحو و معان المفردات، بل يفهمه اصحاب الذوق الرفيعالذين يفهمون جوهر الشعر.

وبما ان الايحاء كما اسلفت هو العنصر المهم بالشعر، فانهيحتل مكان الصدارة في القصيدة النثرية التعبيرية،  فيما تحتل فيها الكلمات ومعانيها الحرفية مكانةثانوية توحي بفكرة او مجاز او عاطفة، وللإيحاء غاية هي اثارة العاطفة الجمالية لدىالمتلقي. فإذا كانت الحرفيات تركز على طريقة المعالجة، فان الضمنيات تركز على ماتحدثه تلك الكلمات في ترتيبها من تأثير نهائي في ذهن وقلب المتلقي، لان مسعى القصائدهو ان تنقل التأثير العاطفي لتجربة انسانية متنوعة على ذهن الانسان وقلبه.

كريم عبد الله من الشعراء المعروفين في مجال قصيدة النثرالتعبيرية، يتألق متوهجا في قصيدته “همرات شوارسكوف”، التي تنقل لنا عبرصورها الشعرية المتأججة طغيان وتغول امبراطوية اكتنزت اسباب القوة ” ل اسلحةالدمار الشامل نكهة”. ففاضت رائحتها “نكهة” كتمثيل لذلك الطغيان ،تعززه كلمة “جرأت” “الهمرات مسعورة” كصورة شعرية متكونة منالمحسوس والمجرد، كدوال على تلك القوة وشراستها، فراحت تجوب “المحيطاتالبعيدة” حيث هذه الصورة تنفتح المدى مكانيا على مصراعيه امام المتلقى،فيتوافق عتو تلك القوة مع عتو المحيطات مع عتو الهمارات المسعورة التي راحت تنشرالخراب والدمار والمرض بقيادة اعورها الدجال شوارسكوف لكن اين؟ في ارض المخلص”مايتريا” فينشا بين شوارسكوف في عنوان القصيدة و مايتريا في متنالقصيدة تقابل بين رمزين متناقضين قوتين الحرب والسلام الطغيان والعدل، فشوارسكوففي هامراته المسعورة ينشر خرابا ودمارا فيما يمثل مايتريا السلام والامان…واحد يمثلواقعا مريريا والأخر خيالا محضا. فهذه الهمرات المسعورة لا تعرف الرحمة كما مثلتهاصورة “بضراوة معتلة”، انها تقتل الناس قتلا رهيبا لا تحد قسوته حدودتقتل الطفل والشيخ والرجل والمرأة والشاب والشابة، تدمر الحرث والنسل… لكي تسوقتجارتها “الهمبركر” لمدن افواهها اتقنت الحان المرارة والبؤس تنتظرمايتريا ليخلصها من عذابها تحت ظل طاغية لم يعرف له التاريخ مثيلا لكن بدل انياتيها مايتريا مخلصا جاءها طغيان اكبر من طغيان طاغيتها. ان اهالي هذه المدنمثلهم مثل قصيدة كفافي “في انتظار البرابرة” ينتظرون البرابرة ان يحتلواارضهم لكي يتخلصوا من ازماتهم، جاءهم  جزارقصم ظهرهم يغتصب حتى احلام التي تستر عوراتهم.  وكريم عبد الله لا يكفي برسم الصورة الشعريةالفذة وإنما يلتقط من الكلمات العامية المتداولة رموزا تمثل بعدا واقعا في القصيدةرغم رمزيتها مثل سوق هرج. ثم يمد البعد الزماني حيث يعيدنا الى سومر ” اطلقعنان خيولها السومرية ” فيتوافق البعدان الزماني والمكان من حيث الاتساعوالشمولية.. فهذه الحضارة المسعورة لا تكتفي بتدمير البشر والحجر  وإنما دمرت حتى التاريخ بقذائفها والطبيعة جعلتمن النهار ليلا ومن القمر مسخا، ولم تتوقف عند هذا الحد بل اطلق العنان لشراذمهم”يحطمون اجنحة الثور المجنح” بوصفة رمزا للقوة والجبروت والحماية فيحضارة عندما تفاقم عنفوانها خلق نورا اضاء على البشرية ونشر المحبة والسلام، لاكما هي حضارة شوارسكوف لا تعرف غير التدمير والتقتيل ونشر الفتنة والإرهاب بذريعةالدفاع عن حقوق الانسان ونشر الديمقراطية.

( همرات شوارسكوف )*

لــ أسلحةِ الدمارِ الشامل نكهة ٌ جرّأتِالهمرات المسعورةِ تركبُ المحيطاتِ البعيدةِ وتملأُ الفضاءات بـ الجرادِ الأسودتبذرُ الأيدز في أرضِ (  مايتريا )* بضراوةٍ معتلّةٍ لـ تكتشفَ خرائطَ الهمبركر أفواهَ المدنِالمملوءةِ الحاناً مريرة مقتنعةً بــ جدوى اللعبةِ وإغتصابِ الأحلام القادمةِتغمضُ عيونها الشرهة ملتهمة ضجيجَ الشوارع ومحلاّتِ ( سوق الهرج )* وأزهارَ دجلة .القرى الهناكَ أطلقتْ عنانَ خيولها السومريّة بــ صدورها السمراءَ تتفشّى نيرانهامستكفية تركّزُ قذائفَها الحمراءَ تهشمُ الأختامَ الأسطوانيّة على سروجِ ( إنانا )*المذهّبةِ فاتحةً ابوابَ جهنمَ ( تأكلُ الأخضرَ بـ سعرِ اليابس )* تتواثبُ تحشرُالصباحَ في سردابِ الليلِ المكفهر تزيّفُ ضوء القمر . على هوادجها القاسيةِ تحملُالضجيجَ ورؤوساً نوويّةً خيالها المبتذل يتبجحُ تبث ُّ فوضاها أقزاماً يحطّمونَ (أجنحة الثورِ )* خلفَ حواجزَ ( نمرود )* تصطفُ خطبهم الرعناءَ مفخّخة تسوّرُالتاريخَ  بـ المهرجينَ إساءاتهم متاحفآسنة تتناحرُ فيها الغربانَ فـ تشمّرُ وساوسها مستغرقة في ثيابِ الفتنةِ تحتضرُ .

*شوارسكوف : القائد العام للقوات الاميركية في حرب الخليج ضد العراق .

*مايتريا : المعلم العالمي .

*سوق الهرج : من الاسواق المزدحمة في وسط بغداد .

*إنانا : ابنة لـ آن رب السماء في اوروك.

*تأكلُ الأخضرَ بـ سعرِ اليابس : من الامثال الشعبية العراقية .

*أجنحة الثورِ : الثور المجنح .

*نمرود : تقع في العراق، وتحديداً إلىالجنوب من مدينة الموصل العراقية؛

كريم عبدالله /بغداد العراق

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

آخر المواضيع