قراءة في ديوان الشاعرة السورية نارين عمر سيف الدّين

241

نصوصٌ تأبى الشيخوخة

قراءة في ديوان الشاعرة السورية : نارين عمر سيف الدّين .. ألمانيا-كارلسروه

Related image

((  منافذ الرّؤى )) ..

بقلم : كريم عبدالله ..بغداد – العراق 12/5/2019 .

حينمانترك وراءنا أحلامنا وذكرياتنا تلتهمها نيران الحقد وتغيّبها اصوات المجنزرات ,وتشيخ اعمارنا خلف حدود الوطن , ورماد الحروب يسوّد بسمة الأزهار الفتية , حينهاتتشظّى الذات ما بين الغربة والوحدة والليل وغصة الوداع , وتتاجج ما بين الحبّوالحلم والعاطفة . فلا يبقى من سبيل لنا الاّ البوح في زمن الصمت , فتطفو الأرواحالمعذّبة الى السطح تعلن احتجاجها ورفضها للواقع المأزوم , تسعى ان تعبّر عنالمجموع وطموحاتها وآلامها وغربتها ومحنتها عن طريق ذاتها المحمّلة بهموم الوطنومحنة الانسان . وتبقى الذات الشاعرة صاحبة الصوت العالي والجلّي كونها تمتلك من العاطفةالشيء الكثير بسبب تأثرها الشديد بما يحدث حولها من أفراح وأحزان , وكلما كانتالذات الشاعرة جيّاشة العاطفة بثّت هذه العاطفة في نسيجها الشعري في محاولة منهاللتأثير في الجميع . وكلما كانت هذه العاطفة منبعثة من القلب صافية نقيّة وغيرمبالغ فيها فانها ستدخل الى قلب المتلقي وتحدث تأثيرها المطلوب فيه وتحرّك أحاسيسهوتحي الشعور لديه وتغذي النفس . اضافة الى العاطفة لابدّ من امتلاكها الى الخيالالجامح والخصب , وقبل كل شيء لابدّ من وجود الموهبة التي بالامكان صقلها وإنضاجهاعن طريق الثقافة والاطلاع على تجارب الاخرين وان تنهل تراثها وتطوّعه , فالخياليشبّه بالمستودع الذي منه تستمد الذات الشاعرة مادتها , لابدّ ان يكون منتجا بحيثيتناول الواقع اليومي ويعيد تشكيله بطريقة خلاّقة وتأليف صور جديدة , وبين الخيالوالعاطفة يوجد ارتباط قوي لانه هو الذي يصوّر هذه العواطف ويثير ذهنية المتلقي عنطريقها . وكذلك لابدّ للذات الشاعرة ان تمتلك ناصية اللغة واعني بها اللغة الشعريةالتي تمتاز بالايجاز والتركيز والتكثيف والرمزية المحببة , ان تجد لها لغة اخرىجديدة تسمو على اللغة اليومية المتداولة والا فقدت سحرها وبريقها مما يؤدي الى موتالنصّ الشعري وإنطفائه بسرعة . ولابدّ للذات الشاعرة ايضا ان تمتلك المقدرة علىصناعة الصور الشعرية الغريبة والمدهشة بحيث تجعلنا نتلنس ونستنشق ونعيش هذه الصورالمثيرة . ان النصّ الحديث يجب ان يمتاز بتعدد القراءات ويفتح ابواب شاسعة للتأويلوا ن يكون نصّا كونيا يتعرض لمشكلة الانسان في هذا العصر ويكشف لنا عن رؤية الذاتالشاعرة  وموقها ازاء ما يحدث .

من الملاحظ على أجواء النصوص في مجموعة الشاعرة : نارينعمر سيف الدّين .. تكرار لمفرداتمعينة قد تكون عفوية أو بقصدية , من هذه المفردات / الورود والربيع والصباح / في محاولةمن الشاعرة على التأكيد على مفاهيم الجمال والحبّ والحياة والنمو , كونها تبعث علىالأمل والطمانينة والتوق الى غد أجمل من الحاضر , ان هذه االمفردات المبثوثة علىمساحة كبيرة في نسيج الشاعرة الشعري لها ما لها من تأثيرات ايجابية على النفسالبشرية , تكرارها والاصرار على حضورها القوي انما يكشف عمّا في نفسها واحاسيسهاالمرهفة . فمن خلال عنوان المجموعة /  منافذالرّؤى / سنكتشف محاولة الشاعرة  البحث عنمنافذ من خلالها تقحمنا الى عالمها الشعري ومعرفة ما يحدث حولها على أرضالواقع , هذا الواقع المأزوم والعبثي . فكلما إدلهمّ الليل سنبحث عن طرقجديدة للرؤية والتعايش مع هذا الخراب والأنفلات من براثينه والعيش خارج الحدود .دعونا الان نتشمم عطر الورد في هذه المجموعة , فمثلا نقرأ في نصّ / حين يغفوالمساء / دلالة على بدأ الليل والظلام وكيف يشعر فيه الانسان بالغربة والخوف ../ السّكونالقلق ينذرني بألاعيب الّليل .. / وكأن الشاعرة تحاول استدراجنا بهدوء الى عالمهاالمظلم ولتبدأ الأحداث تتصاعد من قعر الظلام لتنعتق وتحلّق في عالم النور .. ونقرأفي نصّ / طائر قوس قزح / هذا الألم والخيبة ../ طائر مبتور الجناحين / .. ونستمرمع الشاعرة ونقرأ لها في نصّ / ذاكرة الحلم / وكأنها استسلمت الى هذا الليل المظلملتبحث عن متنفس لها من خلال الحلم ../ تقطف الوردةُ .. منغيوم ذهولها قطرات .. لفصل يتأهّب .. لردمشروخ أنهكت الجسد ../ .. وفي مكان اخر من نفس النصّ نقرأ ../ هل بقي في الذّاكرةمكان لورود غيرنا؟ .. نعم، قلتها .. ورود أحلاميلا تودّع الفصول ../ .. انه التأهب والاستعداد للخلاص والحياة .. ثم نقرأ في النصّ/ جنون العمر / … / شروخ  التّوسّل تاهت في  صدوع أعوام .. تبدو لنا طويلة بطول حلم ..  أطبقت عليه أزرار المعطف ../ .. الأحساس ببشاعة وقسوةالايام وكيف تضغط على قلب الشاعرة .. وفي نصّ / خجل الطرقات / تستدرجنا الشاعرةالى مدينة أحلامها وطفولتها وعنفوان شبابها في محاولة منها لرسم سيناريو مسرةحياتها خطوة خطوة , فنقرأ ../ مرَّ  كأيّ شخص تسيّره أرصفة .. طرقات مدينتنا .. مررت كما شاء لي الزَّمانالمسير ../ وتستمر وتيرة الاحداث تتصاعد من خلال النصوص وكأن القدر يرسم لها طريقاغير الذي كانت تحلم فيه ../ وكأنّنا في سباق لأرصفة القدر ../ . وقبل ان تنضج /سنابل الحب  / فجأة ودون سابق فراق .. فجع بنعي الوداع .. وداعلم يعدّ له قبل الّلحظة .. لم يتدرّبعلى نزاله .. / انه نزول البلاء والاستعداد للحظة الافتراق والوداع الذي قد يطولكثيرا ويبعث سنابل هذا الحب الوليد .. وفي / واسطة العقد / تبدأ رحلة الذاتالشاعرة بالعذابات والمرارة والخيبات .. / يا أيّها الرّاقد في جفنيّ امرأة! .. يا رجلاً أبلى جنسه بضلع قاصر! ../ .. فتخاطب/ بائع التفاح / التّجارة لا تتعاطى لغة المشاعر ../ من المحبط جدا ان يكون الاخرمشغولا عن المشاعر والاحاسيس النقيّة بأهوائه ومصالحه الشخصية وعدم الاكتراث بمنوهبه هذا الكمّ من الحب والأشواق .. وفي / التقويم الازليّ / .. نجد الذات الشاعرةوكأنها إستفاقت من أحلامها وكوابيسها التي عبثت بها وطغت آثارها السلبية في نسيجهاالشعري الماضي لترسم لنا لوحة جديدة أمثر اشراقا وبهجة ../ النّهر يتباهى بقصاصاتالورق .. تتناغم في إيقاع خريره .. ترسمها أخيلةعلى معداد تقويم أزلي .. لأنامل تزهر ببصمة الأنام .. هكذا تبدأ النصوص تُزهروتعطي رونقها وغنجها .. ففي / وداع الطفولة / ستجد الذات الشاعرة رفيقا لها تسرّهاسرارها وتبثّه ما يجول في خلجات روحها ../ أدركت أنّي وجدت صديقاً ../ .. فتبدأ من جديد واثقة معتدّة بنفسها ووطنهاكما في / واثق الخطوة / حيث تقول ../ مفردات نقشها سكنى وطني .. في هالة القمر على قرص الشّمس .. / ..ونقرأ كيف ان / قنابل هبوبك / .. ايقضت مشاعرها وحرّكت الراكد منها وأنعشت روحها../ قنابل هبوبك أيقظت شراع غفوتي .. فيصباح مدثّر في تاريخك الأسطوريّ ../ .. ويبدأ ربيعها بالنمو والأستيقاظ بعد خريفطال عليها ../ خريف روحي تخضرّ .. أوراقه المتساقطة .. دفء الشّتاء يحرّر فكري .. من صقيع حروف تائهة .. الرّبيعينعشني  بنرجس ذاتي ونسرينها ../ .. وتبدأ النصوص تأخذ منحى آخر أكثر اشراقاوتفاؤلا وأملا ../ لا يحقّ لأحد أن يحبّكِ أكثر منّي ../ .. / الورود احتفلتبعمادتي مع الزّهر../ .. لوملكتُ كلّ حدائق المعمورة .. لنينعشني سوى .. عبق عشقك ../ .. / زهو الألوان والاخضرارمذكّر .. الأرض أنثى تحتضنه برفق ../ .. /  الفصول تهديني قبلة بدء .. لانهاية لها ../ .. / الرّبيع يوقظ فيّ ناقوس الشّباب ../ ../ .. لبّ عشقك .. يسيّرنيكيفما يشاء../ .. / الزّهرة التي رسمتك .. بصمةفوق خدّي ربيعك ../ .. / بشّرتنا بربيع مولود سُررنا به ../ .. أنت شتلة ودّ .. رغبت بها أروّض قحط ربيعي ../ ../ زهرةأنت ارتعدت .. على أوتارها طرباً  رقصت ../ ../ صباح اليومكصباح الأمس وما قبله .. يفوح منه رنين بسماتك../ ../ الرّبيع آت ومبسم ملقاكما .. يزهر علىشفتيّ الزّهور .. الورود تبادلها الغمز واللمز .. أنظرإلى شقائق النّعمان ../ .. هكذا تنتهي النصوص الشعرية في هذه المجموعة , تخللتهابعض النصوص القصيرة عائمة على أريج الازهار .

حاولتالذات الشاعرة ان تجد لها وللمتلقي منافذ للرؤيا من خلال لغة لصيقة بالواقعبالتاكيد سيستشعر المتلقي بحلاوتها وعذوبتها دون عناء او جهد كبير . لقد كانالديوان عبارة عن روشة من الازهار الفتية والتي ستقوى سيقانها على مرّ الزمنوتشتدّ اذا ما حاولت ان تعانق الشمس وتقف بشومخ فوق أرض صلبة .

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

آخر المواضيع