فلسفة مبسطة: دوافع نقد الدين عند نيتشه وماركس

543

في مقال للأستاذ حاتم حميد محسن في موقع ” صحيفة المثقف”، كتب مقالا هاما بعنوان: “ماركس ونيتشة.. رؤيتان مختلفتان للدين” المقال يثير الكثير من التساؤلات الهامة، تعقيبا على مقاله اطرح وجهة نظري بموضوع الموقف من الدين، ومن علاقة نيتشه بالنازية وليس بمختلف القضايا التي نشأت بناء على موقف الفيلسوفين، نيتشه وماركس.

******

نيتشه ينتقد النازية: ” أرتجف عندما أفكّر في كل هؤلاء الأشخاص غير الجاهزين بعدُ لتلقّي أفكاري، ومع ذلك سوف يستغلّونها لسلطتهم”

نيتشه: “أشعر بخوف في الأيام الأخيرة، من كثرة الرسائل والمواقف التي تصلني حول معاداة السامية، وأشعر باشمئزاز وبكلّ ما تعنيه كلمة اشمئزاز من معنى من ذلك الحزب”

******

تركت فلسفة نيتشة أثرًا بالغًا في الفكر الإنساني، والكثيرون تأثروا بأفكاره، الأمر الذي لا يعرفه الكثيرون انه لقب بصغره ب “القسيس الصغير”، فوالده كان قسيسا في الكنيسة الانجيلية (اللوثرية)، لكنه عندما بدأ يتشكل وعيه الخاص انقلب تماما على الفكر الديني لدرجة قوله ان “الله قد مات” (الجنائني مات). هناك اخطاء شائعة حول علاقته بالنازية، العكس هو الصحيح، ما جر لهذا الخطأ فكرته عن الرجل السوبرمان (وهو لم يقصد هتلر اطلاقا)، بل رفض النازية وعنفها ضد اليهود أيضا وكات له علاقات مع يهود المان، إشادته بالإنسان السوبرمان، يقصد الانسان غير التابع لفكر قديم ماضوي، بل الانسان المتحرر من كل الفكر الديني والملتزم بالعلم وليس بخرافات الدين.  انتقد المسيحية من منطلق نقده للدين، ودور الدين السلبي اجتماعيا. وله قول مشهور: “الخطيئة بحق الله كانت من أكبر الخطايا، لكن الله قد مات، بذلك ماتت الخطايا أيضا، الشيء المخيف أكثر الآن ان تخطئ بحق الأرض”. هذا موقف عقلاني وانساني. عدم ارتكاب الخطيئة بحق الأرض.

قام نيتشه بنقد جذري للفكر الفلسفي الغربي. من مؤلّفاته ” ولادة المأساة “، ” هكذا تحدّث زرادشت “، ” ما وراء الخير والشرّ”،” ضدّ المسيح ” و” إرادة القوّة “.

يؤكّد نيتشه في فلسفته تقلّص التأثير للقيم التقليديّة، لأن “اللّه قد مات” (الجنائني مات) ويجب التّأسيس لقيم جديدة تعبّر عن القوّة والشّجاعة والنبل وتعبّر عن إرادة الإنسان الأعلى أو بالأحرى عن إرادة القوّة. وهو كما افهم يقصد القوة العقلية، وليس قوة القمع والاستبداد!!

جرى الربط بين فلسفة نيتشه والأيديولوجيا النازية، وان النازية اقتبست فلسفتها من النيتشية، عن الإنسان الأعلى والقوة والشجاعة والنبل، وهذه الفلسفة أنجبت شخصيّة هتلر. الباحثين بفلسفته يرفضون الربط بينه وبين الفكر النازي، ويعتمدون على قوله ” أرتجف عندما أفكّر في كل هؤلاء الأشخاص غير الجاهزين بعدُ لتلقّي أفكاري، ومع ذلك سوف يستغلّونها لسلطتهم” ويؤكدون ان نيتشه كان يكتب لإنسان المستقبل.

في احدى رسائله نجده يرفض المواقف اللاسامية المعادية لليهود والتي كانت ضمن الفكر النازي، فقد كتب في احدى رسائله: “أشعر بخوف في الأيام الأخيرة، من كثرة الرسائل والمواقف التي تصلني حول معاداة السامية، وأشعر باشمئزاز وبكلّ ما تعنيه كلمة اشمئزاز من معنى من ذلك الحزب (القصد على الأغلب من الحزب النازي).

نقد ماركس للفكر الديني وجملته الشهيرة “الدين افيون الشعوب” لم تفهم بشكلها الصحيح. بالفعل ماركس كان ملحدا (لا دينيا) لكن جملته لم تقال للتحريض على الدين والمتدينين انما كانت موجهة لموقف فلاسفة ومفكري التنوير البرجوازيين من الدين. اذ ان عدم رؤيتهم الدور الرجعي للكنيسة والجهاز الديني في العلاقة مع مسيرة التطور الاجتماعي والفكري والعلمي (معاداة الكنيسة للمفكرين والمخترعين بدءا من الكاهن وعالم الفلك الأهم في التاريخ “كوبرنيكوس” وصولا الى “غاليليو” ورفضهم وتكفيرهم للكثير من علوم تطور الانسان، خاصة أبحاث دارون، دفعته لهذا القول.

من الجدير ذكره ان القرن الثامن عشر، شهد حربًا لا هوادة فيها ضد الدين شنه فلاسفة التنوير، خاصة في فرنسا، إذ رأوا فيه عقبة امام التقدم الإنساني نحو الحرية والعقلانية.  

من الجدير بالتنويه ان موقف الماركسية من الدين لم يكن عدائيا اسوة بموقف الفلاسفة التنويريين، بل كان أكثر تفهما وتسامحا. كان يعتبر ان معركته الأساسية في موضوع الدين هو ضد الظلامية الدينية، وقوله التالي هو إشارة لذلك: “الدين هو متنفس المخلوقات المضطهدة، قلب العالم الذي بلا قلب وروح الظروف التي بلا روح. انه مورفين الجماهير” وهو لم يكن معاديا لهذه الفئات الاجتماعية، بل يدفعها نحو التوعية بدل التضليل الديني!!

موضوع صراع الطبقات هو موضوع يقع في ملعب آخر لا يتعلق مباشرة بالدين رغم ان التأثير الديني واقع قائم وسلبي في التطور الذي حلم به ماركس بفكرة الصراع الطبقي/ المادية التاريخية.

ان فكرة الصراع الطبقي كانت صحيحة نسبيا في الظروف التاريخية التي عالجها ماركس خاصة بعد كومونة باريس. لكن هذا الأمر سرعان ما تلاشى، والرؤية الماركسية التي طرحت عن الأممية العمالية (يا عمال العالم اتحدوا) لم تثمر، وظلت القومية سائدة.

فكرة المادية التاريخية (الصراع الطبقي) كطريق لقضاء طبقة العمال على الطبقة البرجوازية، وبناء نظام اشتراكي/ شيوعي، لم تثبت صحتها، وكان لا بد للفلاسفة الماركسيين من تطوير فكرة الصراع الطبقي بل اسقاطها نهائيا. لكن يبدو ان الماركسية تحولت الى ما يشبه الدين لكوادر الشيوعيين، خاصة بتشوية الماركسية بفترة ستالين، لدرجة قبرها وتطوير نهج سوفييتي مناقض لكل الفكر الماركسي، حتى ان الدولة في الاتحاد السوفييتي لم يتغير مبناها الفكري من دولة رأسمالية الى دولة اشتراكية، هذا الموضوع لم يعالجه ماركس ولم يعالجه لينين أيضا، وظلت الدولة الرأسمالية بمؤسساتها، هي التي تطبق النظام الاشتراكي وهنا أحد أسباب، ربما اهم سبب، وراء سقوط هذا النظام!!

nabiloudeh@gmail.com

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

آخر المواضيع