دور الإعلام في تشكيل الواقع اللغوي في الوطن العربي

2٬588

الدكتورة نادية بن ورقلة

أستاذة محاضرة في علوم الإعلام والاتِّصال

جامعة زيان عاشور- الجلفة/ الجمهورية الجزائرية

 

الملخص:

تحظى اللغة في أي مجتمع بأهمية بالغة بالنظر إلى الدور الذي تمارسه في التواصل الإجتماعي، فهي عالم رحب ووطن فسيح يُمارس من خلاله الإنسان حرية التعبير والتفكير،فاللغة رداء الفكر ولباسه،وكل تطور يحصل في المجتمع يتردد صداه من خلال مؤسسة اللغة، بإعتبارها الناطق الرسمي بإسم الأمة والمعبر عن حياتها.ولذلك تُعتبر اللغات أصدق سجل لتاريخ الشعوب،لأنها أداة الحاضر وصورة التاريخ، تندفع في اكتساح جارف للخصوصيات اللسانية و اللغوية و الثقافية التي هي القاعدة الصلبة للوجود المعنوي للأمم و الشعوب ،لتشكل بذلك خطرا محدقا بالهويات الوطنية ،إذ تواجه اللغة العربية اليوم باعتبارها وعاء للثقافة العربية و للحضارة الإسلامية، أخطارا تتفاقم باطراد، تأتي من هيمنة النظام العالمي الذي يرفض صياغة العالم الجديد ، متعدد الأقطاب و المراكز و الثقافات .

الكلمات المفتاحية :اللغة / المجتمع / الشعوب / الهوية/ العربية .

Résumé

La langue occupe dans  n’importe  quelle  société  une importance capitale compte tenu du rôle qu’ellejoue dans le réseau social ;elle est un monde vaste et un pays large où l’homme exerce à travers elle  la liberté de l’expression et de la pensée.Le langage  est l’habille de la pensée, et tout  développement qui se passe dans la société résonne à travers l’institution de la langue, puisque elle est le porte-parole officiel de la nation et qui expresse sa vie. C’est pour cette raison que  les langues sont l’enregistrement le plus authentique  de l’histoire des peuples ;parce qu’elle est l’outil présent et l’image de l’histoire, elle envahi par des balbutiements de particularités linguales, linguistiques et culturelles qui constituent la base solide de l’existence morale des nations et des peuples, pour en construire un danger d’identité nationale imminente.La langue arabe fait face aujourd’hui, considérée comme le conteneur de la culture arabe et de la civilisation islamique, àdes risquess’aggravant de façon constante, venant  du système mondial qui refuse la formulation du nouveau monde multipolaires, pluricentral et multiculturel.

Mots clés : Langue / Société / Peuple / Identité / L’arab

مقدمـة:

تحظى اللغة في أي مجتمع بأهمية بالغة بالنظر إلى الدور الذي تمارسه في التواصل الاجتماعي،فهي عالم رحب ووطن فسيح يُمارس من خلاله الإنسان حرية التعبير والتفكير،فاللغة رداء الفكر ولباسه،وكل تطور يحصل في المجتمع يتردد صداه من خلال مؤسسة اللغة،باعتبارها الناطق الرسمي باسم الأمة والمعبر عن حياتها.ولذلك تُعتبر اللغات أصدق سجل لتاريخ الشعوب،لأنها أداة الحاضر وصورة التاريخ ،تندفع في اكتساح جارف للخصوصيات اللسانية و اللغوية و الثقافية التي هي القاعدة الصلبة للوجود المعنوي للأمم و الشعوب ،لتشكل بذلك خطرا محدقا بالهويات الوطنية ،إذ تواجه اللغة العربية اليوم باعتبارها وعاء للثقافة العربية و للحضارة الإسلامية ، أخطارا تتفاقم باطراد ، تأتي من هيمنة النظام العالمي الذي يرفض صياغة العالم الجديد ، متعدد الأقطاب و المراكز و الثقافات ، و الذي يسعى لفرض اللغة الأقوى ، بحكم قوة الفعل السياسي و الفعل العلمي و التقاني و الاقتصادي ، و على المجتمعات الإنسانية التي تقتصر وسائلها الدفاعية الثقافية و السياسية و الاقتصادية أيضا عن التصدي لهذه الهجمة اللغوية الشرسة التي تهدد الأسس الثقافية و لخصائص الحضارية خصوصا لغات الأمم التي تعاني من مخلفات عهود الاستعمار و تواصل بذل الجهود للتحرر من قيودها ، و التي تخضع لضغوط شتى ناتجة عن عدم إنتظام أوضاعها الاقتصادية و التعليمية في إطار سياسات وطنية قائمة على حسابات سليمة و اختيارات قويمة . 1

و من خلال موضوعنا هذا سنحاول الإجابة على إشكالية مفادها : ما دور النخبة و الصحافة و الإعلام

في تشكيل الواقع اللغوي في العالم العربي ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1.الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية و العلوم و الثقافة –إيسيسكو-

 

يصنف خبراء الإعلام وسائل الاتصال وفقا لدرجة انتباه الأفراد إليها ، على النحو التالي :

1-الحوار أو الحديث وجها لوجه بين شخصين 2-المناقشة أو الحديث وجها لوجه بين أفرد الجماعة 3-الاتصال بين أفراد هيئة أو جمعية بشكل ودي لا رسمي 4-الاتصال الهاتفي 5-الاتصال بين أفراد هيئة في جلسات رسمية 6-السينما الناطقة 7-التلفاز 8-الإذاعة 9-التلغراف 10-الرسائل و الخطابات الشخصية 11-الخطابات الرسمية 12-الصحف 13-لوحات الإعلانات 14-المجلات 15-الكتب .

و يلاحظ هنا أن وسائل الاتصال الإعلامية ووسائط أو وسائل الإعلام العمومية تأتي في المراتب المتدنية. 1

إذ يأتي التلفاز في المرتبة السابعة و الإذاعة في المرتبة الثامنة ، و الصحف و المجلات في المرتبتين الثانية عشرة والرابعة عشرة ، و هو الأمر الذي يؤكد أن الإعلام عموما ليس بالقوة التأثيرية و الإقناعية التي تجعل منه الأداة الأكثر فعالية في صياغة الرأي العام , و لكن الإعلام في العمق هو أقوى وسيلة لنشر اللغة ، و للحفاظ عليها  أو للتفريط فيها والإساءة إليها ، فكلما ازدهرت لغة من اللغات ، إلا و كان من أقوى وسائل ازدهار الإعلام بمختلف قنواته و وسائطه و كلما ضعفت لغة ما  و تراجع دورها انكمش وجودها ،إلا و كان من أسباب تلك الحالة المرضية قصور وسائل الإعلام عن القيام بواجبها تجاه اللغة التي تستخدمها و التي تنتسب إليها . فوسائل الاتصال إذن هي الأكثر تأثيرا في اللغة  ، و هكذا نجد أنفسنا أمام معادلة صعبة لا محيص لنا عن إمعان النظر فيها ، و معالجتها لما نرى أنه مفيد و مثمر.

و لما كانت السياسات الإعلامية هي مجموعة مبادئ و قواعد وضعت لترشد الأنظمة الإعلامية في سلوكها 8فإن ما يتعين أن يكون في مقدمة هذه المبادئ و القواعد إبلاء اللغة العربية الأهمية التي تستحقها ، و الحفاظ عليها باستخدامها على النحو السليم ، مع السعي من أجل أن تكون أداة تواصل طيعة بين طرفي العملية الإعلامية ، المرسل و المرسل إليه ، المتلقي للرسالة الإعلامية .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1.مجلة مجمع اللغة العربية ، بدمشق ، الجزء 4، المجلد 73، نقلا عن الدكتور عبد الرحمن عسيوي في الآثار النفسية و الاجتماعية للتلفزيون، دار النهضة العربية، بيروت، 1984. ص 832.

 

إن الحقيقة التي يتعين علينا الإشارة إليها في هذا المقام ، هي أن وضع اللغة العربية في وسائط الإعلام عموما وضع غير مريح ، و لا أريد أن استعمل تعبيرا آخر ، هو وضع غير مريح على مستويين اثنين مستوى الإعلامي ، و مستوى المتلقي ، سواء أكان قارئا أم مستمعا أم مشاهدا ، و الإعلامي كما لا يحتاج الأمر إلى شرح، هو نتاج المدرسة أو المعهد أو الجامعة التي يتخرج منها ،فيقدر جودة التعليم و التكوين و التأهيل والتدريب على مستوى تلقين اللغة و التخصص فيها و التمكن منها ، يكون مستوى الإعلامي أو الصحفي1.

يحسن بنا الإقرار بأن اللغة العربية لم تنل حقها بإنصاف على ركح وسائل الإعلام المرئية، فعلى الرغم من أن عدد القنوات الفضائية العربية يزيد عن192قناة،حكومية وخاصة ،عامة ومتخصصة،إلا أن البرامج التي تُقدم بالفصحى قليلة، وأغلبها سيء التنفيذ والإخراج ويغيب فيه الاهتمام بجماليات اللغة العربية، ويفتقد عنصر التشويق الإعلامي، أما معظم البرامج والمحتويات الأخرى،فإنها أكثر ميلا إلى توظيف العاميات المحلية واللهجات الممزوجة بالألفاظ الأجنبية،فما عدا بعض المسلسلات التاريخية،والأخبار،وبعض الحصص الخاصة،نجد أن العامية تسرح وتمرح وتقدم إلى الجمهور على أنها لغة العصر،والغريب أن هذه العدوى تسللت إلى بعض البرامج الثقافية التي بدأت تنزع إلى تطعيم نفسها بالعامية نزولا عند رغبة الجمهور الذي كان من المفروض أن يرتقي هو بنفسه إلى مستوى فهم هذا الخطاب.

و ليس مما يجرح أو ينال من المدارس و المعاهد و الكلمات الني تتخصص في تكوين الإعلاميين و الصحافيين  أن نقول إن حالة اللغة العربية اليوم في هذه المؤسسات ليست حالة سوية ، و هذا أمر طبيعي إلى حد ما  لأن المنتسبين إلى المؤسسات التعليمية الإعلامية ، إنما جاؤوا إليها من المدارس الثانوية التي يعاني جلها ، أو الأغلبية الكبيرة منها من ضعف مستوى تدريس اللغة العربية فيها ، و لذلك فإن من النادر أن يتلقى الطالب في المرحلة الثانوية تكوينا متميزا في اللغة العربية نحوا  أو صرفا و تحدثا و كتابة و تعبيرا . و من يتعلم اللغة العربية كثيرا في تلك المرحلة التعليمية ، فاعتمادا على  مجهوده الشخصي ، أو بحافز من بيئة خارج المدرسة  2.

ـــــــــــــــــــــــــــ

1.تقرير  اليونسكو : “تقرير إجتماع الخبراء في حقل السياسات الإعلامية و التخطيط “، باريس 7ديسمبر 1972.

2.مجلة العربي، العدد : 587، أكتوبر، 2007، ص 76.

لذلك نقول ، إن حالة اللغة العربية في المؤسسات المعنية بتكوين الإعلاميين و الصحافيين ، لا تكاد تنفصل عن حالتها في المدارس في مستوياتها الثلاثة ، الابتدائية و الإعدادية و الثانوية ،و إن كان ذلك لا يعني أن هذه المؤسسات لا تتحمل قسطا من المسؤولية في تقصيرها عن تعليم اللغة العربية تعليما جيدا للمنتسبين إليها ، فإن مسؤوليتها في هذا المجال لا سبيل إلى التملص منها بأي حال .و الأمر الجدير بالإشارة إليه هنا ، هو أن اللغة لا تؤخذ من وسائط الإعلام فحسب، و إنما تؤخذ اللغة من على مقاعد الدرس و من أفواه المدرسين .

و لكن وسائط الإعلام لها دور كبير في إطار التنمية اللغوية، و من الممكن أن تصبح الرسائل الإعلامية كفيلة بالنهوض بالمستوى اللغوي العام على نحو تحقيق الوحدة اللغوية في إطار المعاصرة و الدقة.  و هذا الدور المنشود واقع قائم بالفعل في مجتمعات متقدمة أصبحت فيها وسائط الإعلام تقوم مع المؤسسات التعليمية بالدور الأكبر في تشكيل ملامح الحياة اللغوية.

و ترجع أهمية وسائط الإعلام في الحياة اللغوية إلى عدة عوامل منها طبيعة اللغة ووظيفتها ، فاللغة في المقام الأول ظاهرة منطوقة مسموعة ، و الإذاعة تقدم اللغة منطوقة مسموعة و اللغة أهم نظم الاتصال ، و يتيح استخدام الصورة في وسائل الإعلام المرئية أن تقدم الرسائل الإعلامية بعناصرها اللغوية و غير اللغوية ، فاللغة ضرب من ضروب السلوك ، و ليست مجرد معرفة ، ووسائط الإعلام تؤثر في تكوين هذا السلوك اللغوي تأثيرا بعيدا  .1

و ما دامت الخاصية الأساسية للكتابة الصحافية هي سلامة اللغة ، فإن من صميم هذه الخاصية النطق السليم للغة ، و أن الاستعمال الخاطئ للغة ، سواء أكان داخل وسائل الإعلام ، أم خارجها ، يعطل الفكر ويشل القدرات الذهنية للناس ، و يفسد لسانهم و عندما تمر المجتمعات بفترات سيئة في تاريخها ، ينعكس ذلك على لغة الإعلام بتشابكه  تعقيده .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1.د محمود فهمي حجازي ، المرجع السابق ، صفحة 772.

وعليه يجدر بمن يتصدى لمهنة الإعلام أن يُحسن التقدير في إبلاغ رسالته إلى الجمهور بحيث يوصل محتواها إلى المتلقي دون التجني على اللغة تطرفا أو قصورا.غير أن هذا لا يعني أن في إمكان محبي اللغة العربية، وهم كثر كما نعتقد في طول العالم العربي وعرضه، السكوت دائماً عن تلك المجزرة اليومية التي تنحر اللغة العربية في كل ساعة ودقيقة على الشاشات الصغيرة، في معظمها، إن لم يكن في مجملها، أو عن تلك المجزرة الأخرى التي تطاول أبسط المعلومات في برامج عدة. يصطبغ فيها الأداء  بلهجة مطاطة ومتعثرة تعبث بلفظ الحروف وتراكيب الكلمات، وتُخلط دون مبرر،بين العربية والفرنسية والإنجليزية.

إن اللغة هي حجر الأساس في العملية الإعلامية على تعدد قنواتها و تنوع وسائلها و اختلاف اللغات التي تستخدم فيها ، و كلما كانت اللغة سليمة محافظة على قوتها و نصاعتها وافية بمتطلبات التعبير عن روح العصر ، كان الإعلام ناجحا في إيصال الرسائل إلى الجمهور العريض من المتلقيين ، فإذا فسدت اللغة الإعلامية ، فسد الذوق العام ، و فسد الفهم للأمور و تعذر التواصل ، فتكون البلبلة و يحدث الخلل في الرأي العام . فاللغة الإعلامية مطالبة بملائمة عباراتها مع طبيعة الأحداث المعالجة ، فمن الواضح أن أسلوب نقل المعلومة من مختبر البحث يختلف عن رصد حشد من الناس ، و بذلك يمكن نعت اللغة الإعلامية بأنها لغة كل شيء . و بما أن اللغة الإعلامية مسخرة للاضطلاع بتلك المهام كافة ، فإن أدواتها التعبيرية و الفنية ينبغي أن تستجيب لمقتضيات التنوع ، و كذلك لخصوصيات الوسيلة الإعلامية .1

و لما كانت اللغة الإعلامية تتميز بخصائص شتى ، فهي تختلف بطبيعة الحال ، عن لغات العلوم و الدراسات المتعمقة ، لأنها تتجاوز مخاطبة الفئات المتخصصة إلى الجمهور الواسع في المستويات المتفاوتة ، فإن ذلك لا يمنع بأي حال من الحرص على مراعاة القواعد اللغوية المصطلح عليها ، و على خصائص أخرى في الأسلوب و هي البساطة و الإيجاز ،و الوضوح ، و النفاذ المباشر ، و التأكد ، و الأصالة ، و الجلاء و الاختصار والصحة .2

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1.نور الدين بليبل، الارتقاء بالعربية في وسائل الإعلام ، كتاب الأمة ، الدوحة 84، 2001، ص60.

2. عبد العزيز شرف، المدخل إلى وسائل الإعلام، دار الكتاب المصري، القاهرة،1989،ص234.

إن الأداء اللغوي عند بعض الإعلاميين يعاني من قصور ينعكس على مستوى العمل الإعلامي الذي يتوجب بذل المزيد من الجهد المركز لتحسين الأداء اللغوي لدى الإعلاميين، و في الوقت نفسه لتطوير تعليم اللغة العربية في المؤسسات التعليمية الإعلامية المتخصصة. لضمان مستو راق في الأداء اللغوي في وسائط الإعلام.

“لأن فهم اللغة و طريقة استعمالها تشكلان النقطة الأساسية التي يقيم وفقها المعلم، و عليه فالرأسمال الثقافي لا يتوقف عن التأثير، فاللغة ليست فقط آلة للتواصل، و لكنها تؤسس معجما دلاليا و نسقا تصنيفيا غنيا أو فقيرا إلى حد ما، يظهر في طريقة القراءة وفي طريقة استعمال البنيات المعقدة، سواء كانت منطقية أو جمالية وكل هذا يتعلق بنوعية اللغة السائدة داخل الأسرة. فالمدرسة حسب بورديو تعمل على تهميش لغة الطبقات الشعبية التي لا تتوافق مع لغة المدرسة، ووحده الانتقاء الذي يأخذ بعين الاعتبار الفروقات الفردية في اللغة وفق الأصل الاجتماعي، يمكن من توضيح المتغيرات المرتبطة بالقدرات اللسانية بدلالة الطبقة الاجتماعية الأصلية وخصوصا العلاقة بين الرأسمال الثقافي الموروث و درجة النجاح. و يضيف بورديو إلى هذا شيئا أساسيا ينبغي أخذه بعين الاعتبار، هو أن الأصل الاجتماعي لا يتحكم بكيفية آلية في النجاح المدرسي، لأن اللغة الملقنة تأخذ معناها الكامل من الوضعية البيداغوجية مع فضائها الاجتماعي و العاداتي و الزماني، و باختصار كل ما يكون النسق البيداغوجي. وعليه فاللغة لا تكون مشتركة بالضرورة بين المتلقي و الملقي لأن اللغة الجامعية تكون بعيدة عن اللغات التي تتكلم بها مختلف الطبقات الاجتماعية”. 1

وتناولت الأستاذة هنادا طه ضمن جلسات فكر 13 التي نظمت بالمغرب في المغرب مشكلة التعليم في العالم العربي، ومسألة تحديث اللغة العربية لأنها أساس التواصل، وليست لغة النحو والصرف فقط. وأكدّت أنه علينا أن نقدّم للطلاب لغتنا كلغة علم أيضاً، وليست لغة شعر وإعراب وحركات، مؤكّدة على الحاجة إلى تغيير الطريقة التي نفكّر فيها، والتي يعدّ فيها المعلّمون لأنّه في مدارسنا هناك تعليم وليس تعلّم. واعتبر الأستاذ عبدالفتاح الحجمري، أن الواقع اللغوي العربي هو واقع مركّب ومعقّد وموسوم بالكثير من الارتباك على صعيد المنظومة التربوية والتعليمية، وعلى صعيد التنسيق العربي بين المنظمّات العربية، وتعثّر إيجاد سياسة لغوية موحّدة لمختلف التنوّعات السياسية والاجتماعية، وعقد مقارنة ما بين اللغة العربية واللغات الأجنبية تساعد على فهم اللغات والمكانة الجيوسياسية التي تقترن بكلّ لغة، فاللغة العربية والإنكليزية هي لغة عالمية، ولكن هناك عولمة للغة وهي تفيد أن كلّ اللغات متساوية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

1. Pierre Bourdieu et Jean Claude Passeron, la reproduction, éléments pour une théorie du système d’enseignement, édition de minuit, 1980, p 144.

وتحدث الأستاذ بشارة شربل، فرأى أنه على الرغم من وجود عناصر قويّة في اللغة العربية، لكننا نعاني من أزمة لغوية متمثّلة في حاجتنا لتعلّم غيرها، لأنها ليست كافية لنا للتعلّم والتواصل. ورأى أن أزمتنا لا تعود إلى الفشل الذاتي في اللغة، بل إلى إشكالية التعامل معها والنظر اليها، فتراجع العالم العربي سبّب في تخلّف لغتنا داعياً إلى القيام بامتحان عربي موحّد لكّل العالم العربي على غرار امتحان اللغة الانجليزية “التوفل”.

و هذا ما ذهب إليه جمال سند السويدي في كتابه وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في التحولات، بقوله  “الحقيقة أن اللغة العربية الفصحى لا تواجه تهديدا من انتشار اللغة الإنكليزية فقط، بل يمكن القول إن انتشار العامية العربية أو اللغات الدارجة هو التهديد الأخطر أو الآتي على اللغة العربية الفصحى أيضا، لدرجة أنه لا أحد يستطيع الجزم بما ستؤول إليه، والمدى الزمني الذي ستبقى فيه مستويات المحافظة على تعلّمها .”

هذا و كان قد أكد وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة٬ المغربية مصطفى الخلفي٬أن اللغة لم تعد موضوعا حصريا للسياسة التعليمية والثقافية بل باتت السياسة الإعلامية الفاعل الرئيس في الحقل اللغوي الذي يعد بامتياز مجال تحقيق الانسجام اللغوي الضروري لتطور المجتمع وإبداعه.

و الإعلام في العمق هو أقوى وسيلة لنشر اللغة ، و للحفاظ عليها ،أو للتفريط فيها و الإساءة إليها ،فكلما ازدهرت لغة من اللغات ، إلا و كان من أقوى وسائل ازدهار الإعلام بمختلف قنواته و وسائطه و كلما تراجعت لغة ما و تراجع دورها و انكمش وجودها إلا و كان من أسباب تلك الحالة المرضية ، قصور وسائل الإعلام عن القيام بواجبها تجاه اللغة التي تستخدمها و التي تنتسب إليها .

و لما كانت السياسات الإعلامية هي مجموعة مبادئ و قواعد وضعت لترشيد الأنظمة الإعلامية في سلوكها   فإن ما يتعين أن يكون في مقدمة هذه المبادئ و القواعد إيلاء اللغة العربية الأهمية التي تستحقها ، و الحفاظ عليها باستخدامها على النحو السليم ، مع السعي من أجل أن تكون أداة تواصل طيعة بين طرفي العملية الإعلامية : المرسل و المرسل إليه أي المتلقي للرسالة الإعلامية 1 .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. تقرير اليونسكو : ” تقرير اجتماع الخبراء في حقل السياسات الإعلامية و التخطيط “، باريس 7 ديسمبر 1972م .

وليس معنى تطوير اللغة تيسير النحو وتبسيط القواعد فحسب، وليس معناه أيضاً نقل الألفاظ و التعابير الجديـدة عن اللغات الأجنبية فهذا شأن،أما الشـأن الذي نقصد إليه، فهو الارتقاء باللغة لتكون في مستوى تطور الفكر والحياة والمجتمع، بحيث تصير اللغة منتجة ولا تظل لغة مستهلكة. و حين تنتج اللغـة تصبح دافعاً للتقدم في الميادين جميعاً. وفي هذه الحالة تتخطى الحواجز التي تمنعها من الاندماج في العولمة. وحينما تستهلك اللغة وتأخذ ولا تعطي، يضعف مركزها وينتهي بها الأمر إلى الإفلاس.

ويرى المفكر المغربي علال الفاسي أن الأصل في اللغة أن تتغير وتتطور وتنمو، لكونها مؤسسة للتفاهم بين الناس،والتعبير عن عواطفهم وخلجات أفكارهم، فمتى  نما الفكر واختلفت الحاجة وبرز الإبداع نمت اللغة واختلفت،ووجب العمل على تنميتها والإبداع فيها، ولا يمكن الجمود أو الانقطاع عن الاجتهاد، لأن من صفات العلم البحث عن المجهول واستخراجه واكتشاف الحقيقة، ومواكبة المستجدات، وليس مشكل اللغة ومواءمتها للحاجات وقفاً على اللغة العربية، بل إنه مشكل جميع اللغات .1

فتطوير اللغة العربية ضرورة من ضرورات تطوير الحياة العامة في العالم العربي الإسلامي، لأن التجديد إنما يبدأ من اللغة، وبناء المستقبل يقوم على أساس تحديث اللغة حتى تكون لغة المستقبل.

كما يرى الفاسي الفهري أن مشكلة اللغة تكمن في مستخدميها ، ليضيف بأن المشكلة مع اللغة العربية هي الازدواجية بين الفصحى و العامية من جهة و الفصل بين لغة المدرسة و لغة الحديث اليومية من جهة أخرى إضافة إلى عدم تحول العربية إلى لغة علم ، و كان قد صرح في إحدى محاضراته التي ألقاها في المغرب 2010 أن تقدم اللغة العربية يحتاج إلى معالجة النقص في علومها 2.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1.أنظر إلى محاضرة عبد القادر الفاسي الفهري التي ألقاها في المكتبة الوطنية في المغرب حول اللغة العربية في المغرب : إلى أين؟ بتاريخ : 12 ماي 2010 و يمكن متابعة  الموضوع على الرابط التالي:

http//www.maghress.com/essanad/3222

2.التربية والتعليم واللغة عند علال الفاسي للدكتور عبد القادر الفاسي الفهري ضمن كتاب:” في رحاب فكر علال الفاسي”،مؤسسة علال الفاسي، الرباط،  2000م .

و لكن وسائط الإعلام لها دور كبير في إطار التنمية اللغوية و من الممكن أن تصبح الرسائل الإعلامية كفيلة بالنهوض بالمستوى اللغوي العام على نحو يحقق الوحدة اللغوية في إطار المعاصرة و الدقة و هذا الدور المنشود واقع قائم بالفعل في مجتمعات متقدمة أصبحت فيها وسائط الإعلام تقوم مع المؤسسات التعليمية بالدور الأكبر في تشكيل ملامح الحياة اللغوية .غير أن الواقع اللغوي في العالم العربي يعرف هيمنة شرسة للهجات العربية المحلية و اللغة الإنجليزية ، فبالنسبة إلى اللهجات المحلية ، نجد أنها تهيمن على معظم أنماط التواصل في البلدان العربية ، سواء في المحاضرات الجامعية أو الفصول الدراسية أو البرامج التلفزيونية و الإذاعية أو الأفلام والأغاني أو التواصل اليومي ، أو حتى في بعض المجلات و الصحف ، أما مظاهر هيمنة اللغة الإنجليزية في شتى البلدان العربية فهي واضحة في مراحل التعليم الجامعي أو ما قبل الجامعي ، و مواقع التواصل الاجتماعي والمشهد العام لأسماء المجلات و المنتجات و لافتات الشوارع و الإعلانات و بعض البرامج التلفزيونية والإذاعية  و بعض الأفلام و الأغاني ، و كذلك في التواصل اليومي من خلال ظاهرة ” التحول اللغوي “code switching  “.1

إن واقع الممارسة اللغوية ” linguistic performance ”  في المجتمعات اللغوية في العالم العربي يعكس هيمنة قوية للهجات المحلية على حساب العربية الفصحى ، و يمكن تلخيص مظاهر تلك الهيمنة فيما يأتي : -هيمنة اللهجات المحلية على أنماط التواصل اليومي في البيت و الشارع و المجمعات التجارية و الأسواق والمراكز الترفيهية و النوادي الرياضية.

-هيمنة اللهجات المحلية في معظم قاعات المحاضرات في الجامعات و الفصول الدراسية في المدارس، بما في ذلك المحاضرات الخاصة بمقررات اللغة العربية في الجامعات و حصص تدريس اللغة العربية في المدارس.

-هيمنة اللهجات المحلية في معظم البرامج التلفزيونية و الإذاعية و الأفلام و الأغاني و البرامج الترفيهية والمقابلات الشخصية.

-هيمنة اللهجات المحلية في بعض المقالات الصحفية .

– الاهتمام بتغطية الندوات و المؤتمرات التي  تتناول القضايا اللغوية ذات الصلة .

-ضرورة أن تكون اللغة العربية الفصحى لغة جميع وسائل الإعلام المرئية و المسموعة و المقروءة 2.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1.الواقع اللغوي  في العالم العربي في ضوء هيمنة اللهجات المحلية و اللغة الانجليزية د ,عبد الجواد توفيق محمود . أستاذ اللغويات، قسم اللغة الإنجليزية، كلية الآداب، جامعة أسيوط، جمهورية مصر العربية.

2. عبد الجواد توفيق محمود، مرجع سابق، ص 17.

– ضرورة مراعاة جذب الكوادر المعدة إعدادا لغويا متميزا لتولي مهمة بث البرامج المرئية و المسموعة وذلك لضمان تقديم النموذج اللغوي المناسب للمشاهد و المستمع.

– الاهتمام باستضافة اللغويين القادرين على تبسيط هذه القضية للمشاهدين و المستمعين، ما يسهم في تنمية الوعي اللغوي 1.

فاللغة في المقام الأول ظاهرة منطوقة ،مسموعة، و الإذاعة تقدم اللغة منطوقة مسموعة ، و اللغة أهم نظم الاتصال، و يتيح استخدام الصورة في وسائل الإعلام المرئية أن تقدم الرسائل الإعلامية بعناصرها اللغوية وغير اللغوية ،فاللغة ضرب من ضروب السلوك و ليست مجرد معرفة ، ووسائط الإعلام تؤثر في تكوين هذا السلوك اللغوي تأثيرا بعيدا.2

و في كتاب “حياتي ” لأحمد أمين ، تقرأ على لسان أستاذه المصري ” علي بك خوري ” المقيم في استانبول بعد تقاعده ، عند زيارته له في سنة 1928 ، الكلمات التالية ذات المعاني القوية ” لا أمل في إصلاح مصر ما دام هناك لغة للعلم و لغة للكلام ، فإما أن ترقى لغة الكلام، و إما أن تنحط لغة العلم حتى تتحدا وحينئذ فقط يكون التفكير الصحيح و اللغة التي تستمد روحها من الحياة الواقعية . 3

و إن اللغة لن تكون في المستوى الراقي من التألق و الازدهار و القوة و القدرة على مسايرة راكب التقدم في الميادين جميعا، ما لم تتوافر الإرادة الجماعية للإصلاح الذي يبدأ من التطور و التحديث.

إن مستقبلنا العلمي و الحضاري مرتبطان بقضية تعريب العلم و التعليم فلا يعقل أن نخوض مجالات العلم الحديث و نواكب تقاناته و ننعم بمنجزاته و تبقى لغتنا غريبة عن أجواء العلم و ديناميكيته و تقنياته و إبداعه  لقد آن الأوان أن تصبح اللغة العلمية جزءا من حياتنا اليومية في المدرسة و البيت و المصنع، وأن تغير الثقافة العلمية جزءا من ثقافة الصانع و الطالب و المعلم و الصحافي و الأديب و صاحب الاختصاص الفني .4

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1.عبد الجواد توفيق محمود، مرجع سابق ص 17.

2.د محمود فهمي،حجازي،  ص 442.

3.أحمد أمين، حياتي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1972، ص 81.

4.الدكتور أحمد شفيق الخطيب، منهجية بناء المصطلحات، مجلة ” اللسان العربي”، العدد 52، الجزء 3، الرباط ، يوليو 1998، ص 537.

و لا ريب أن مستقبل اللغة العربية يرتبط باستخدامها المتزايد و الجاد في شبكات المعلومات العالمية خاصة وأن تقنيات المعلومات شهدت تحولا هائلا من أجل تيسير إتاحة المعلومات عبر الحدود و القارات و الحضارات وتقوم حاليا –و في غالب الأحيان-على اللغة الإنجليزية.

و غير خاف أن هناك جهة حكومية مكلفة بالإعلام في كل دولة عربية و هي في العادة وزارة الإعلام ، و هذا فإن السلطات العمومية الأخرى و في طليعتها سلطات الداخلية و البلديات ، و الأمن العام ، تتعاون حتما مع تلك الجهة الحكومية , و بالتالي مع أجهزة الإعلام الوطنية ،كلما دعت الحاجة إلى ذلك ، خدمة للصالح العام .هذا و قد رأينا فيما يرجع إلى اللغة الإعلامية أن إجادتها ليست من السهولة بمكان و يتعين الاهتمام بها  و هناك جوانب أخرى من المهم الانتباه إليها في معرفة حسن التوجه إلى الغير .

إن التمثيليات و الأفلام و المسلسلات التي تعرضها هيئات التلفزيون العربية على مشاهديها ليست دائما من إنتاج المحطة التي تذيعها أو من البضاعة الأدبية و الفنية الوطنية أو المحلية للبلد الذي تنتمي إليه تلك المحطة . إنها في نسبتها العالية مواد مصورة و مسجلة و جاهزة أنتجتها جهات أخرى فقط تكون : -أولا : إما من إنتاج القطاع الخاص ، أو القطاع التجاري المتمثل في مؤسسات و شركات قائمة داخل بلد من البلدان العربية أو خارجها . و هذه النوعية من الإنتاج التلفزيوني تكون ناطقة باللغة العربية أو باللهجة الدارجة و هي المصرية في الأعم .

-ثانيا : أو من الإنتاج التلفزيوني  أو السينمائي الأجنبي –التجاري المستورد من الخارج دائما ، و خاصة من  “الولايات المتحدة الأمريكية ، و فرنسا و انجلترا ” –و هذه النوعية من الإنتاج تكون ناطقة بلغة أجنبية هي الإنجليزية أو الفرنسية غالبا و ربما تكون عليها ترجمة عربية بالكتابة التحتية و قلما تكون مدبلجة ، و قلة من الدول العربية تستورد أيضا ن أوروبا الشرقية و الإتحاد السوفيتي. 1

إن اللغة هي حجر الأساس في العملية الإعلامية على تعدد قنواتها و تنوع وسائلها و اختلاف اللغات التي تستخدم فيها ، و كلما كانت اللغة سليمة محافظة على قوتها و نصاعتها وافية بمتطلبات التعبير عن روح العصر ، كان الإعلام ناجحا في إيصال الرسائل إلى الجمهور العريض من المتلقين . و بما أن اللغة الإعلامية مسخرة للاضطلاع  بتلك المهام كافة، فإن أدواتها التعبيرية و الفنية ،ينبغي أن تستجيب لمقتضيات التنوع وكذلك لخصوصيات الوسيلة الإعلامية . 2

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1.عبد الله شقرون، الإعلام و برامج الخدمة العامة للشباب، جامعة نايف للعلوم الأمنية ، الرياض 1987، ص119،110.

2. نور الدين بليبل ، الإرتقاء بالعربية في وسائل الإعلام، كتاب الأمة 84، الدوحة، 2001م، ص 60.

و الأمر الواضح في هذا السياق، أن اللغة العربية الإعلامية في حاجة إلى تحديث و تطوير يقوم عليه الإعلاميون أنفسهم، و هذا يقتضي الإحساس بأهمية الرسالة الإعلامية التي ينهضون بها.

إن واقع اللغة في وسائط الإعلام على امتداد الوطن العربي، و في العديد من وسائل الإعلام الغربية التي توجه خطابها إلى المشاهد و المستمع العربي، واقع في حاجة إلى معالجة علمية موضوعية، من أجل تأمين المستقبل الزاهر للغة الضاد.

و إن التعاون الوثيق بين المؤسسات التعليمية الثقافية و الوسائل الإعلامية من إذاعات و تلفزيونات ، هو عامل حاسم في الحفاظ على اللغة العربية سليمة نقية ، و هذا يستوجب وعيا متبوعا بالعمل من جهات الاختصاص في الدول العربية ،و في مقدمتها وزارات الإعلام و الثقافة و التعليم .

و حتى ندفع بالإعلام ليكون حاميا للغة العربية و خادما لها، توجب علينا أن نرتقي إلى مستوى التحدي الإعلامي من خلال : – تحسين الأداء اللغوي للإعلام المقروء .

– العمل على نشر اللغة العربية و ترويجها بين الشباب في التحاور و المناقشات و التبليغ هدف من أسمى الأهداف التي تؤديها وسائل الإعلام ،و لهذا يلزم التقليل تدريجيا من استعمال اللهجات العامية و اللسان الدارج في الحوار التمثيلي بالإذاعة و التلفزيون و المدرج و السينما ،بل و في مختلف البرامج الإذاعية والتلفزيونية.

– التعاون الوثيق بين المؤسسات التعليمية الثقافية و الوسائل الإعلامية من إذاعات و تلفزيونات للحفاظ على سلامة اللفة العربية و نقاوتها .

– استحداث و تنظيم مسابقات على مستوى البرامج التلفزيونية و الإذاعية ،مبرمجة للنطق الصحيح ، مع إجراء تقويم مستمر للكتاب و المؤلفين و الشعراء بقصد الاستفادة من تجاربهم و الاستئناس بخبراتهم .

– ينبغي أن تراعى في هذه البرامج ، الجوانب التربوية و التثقيفية و اللغوية للمتلقي ، بحيث تتناسب مع سنه وبيئته ، و خلفيته الثقافية ، و قدراته العقلية ، و تعمل على تنمية مهاراته اللغوية “اللفظية” بالطرق العلمية والتربوية .

– أن يتم الإطلاع و التعريف بنتائج الدراسات اللغوية الحديثة ، و أن يلتفت الإعلام المذاع و المتلفز إلى  المشكلات اللغوية القائمة و المتوقعة ، مع الاستفادة من الدراسات و البحوث السابقة في هذا الشأن 1.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1.عبد الله شقرون، مرجع سابق ، ص 125.

– إعداد حصص من إنتاج و إعداد مدرسين اللغة العربية يكونون قد تلقوا إعدادا علميا و خلقيا و مهنيا جيدا  لتحبيب الشباب في اللغة و تجنيبهم الأخطاء اللغوية الشائعة بطرق سليمة و ممنهجة  ليسهم بذلك في تنمية قدرات و مهارات الشباب، و جعل المتلقي قادرا على التأثير بفاعلية في هذا المجال الحيوي .

– حرص هذه البرامج و الفضاءات على التكوين المهني حسب آخر ما وصلت إليه  التقانية الحديثة في مجالات التعليم ، و الاتصال و التربية ، و علم النفس و الحرص على تبليغ الرسالة من خلال الاعتماد على التكوين الأصيل في علوم اللغة العربية و الثقافة الإسلامية و آداب اللغة .

– الاستعانة  في تدريس اللغة العربية بالوسائل السمعية و البصرية الحديثة و حث الجيل الجديد على استخدام مختبرات اللغة و أجهزة الإستماع و الأشرطة المرئية ، و الشرائح المصورة و أقراص الحاسوب و الاستفادة من التقانات الفضائية لنشر العربية عبر برامج التعليم عن بعد .

– إنتاج برامج مصورة تبث على بعض القنوات العربية تتضمن إمكانيات التفاعل و تدريبات النطق.

– استعانة المحطات الإذاعية و التلفزيونية بمراجع أو مستشار لغوي و توظيف متخصص في جميع المرافق التي تصدر عنها أدبيات للتداول و النشر و محاولة تعميم ذلك في إدارات وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها .

كما خرج مجمع اللغة العربية بالقاهرة في مؤتمره السنوي التاسع و السبعين و الذي جاء تحت عنوان ” قضايا اللغة العربية  المعاصرة ” بمجموعة من القرارات  من بينها :

– تعزيز الجوانب الإيجابية في وسائل الإعلام و تصويب الكثير من سلبيات الأداء التي تزيد من حدة الاتهام لهذه الوسائل بنشر الأخطاء و زيادة الرقعة المتاحة لإستخدام العاميات و اللهجات بديلا عن اللغة الصحيحة الفصيحة .

– التقليص من استخدام العاميات إلى أقصى حد، ليس في الإعلام المحلي و حسب، بل في الإعلام الذي يخاطب المواطن العربي في كل مكان .

– تأسيس منظمة عالمية للنهوض باللغة العربية بناءا على توصيات منتدى النهوض بالعربية الذي أقامته الدوحة في مايو 2012 و الذي ركزت  في مجال الإعلام على تحفيز استخدام الفصحى في البرامج الإذاعية والتلفزيونية  ووضع خطة  لإنتاج برامج تساعد على تذوق العربية و برامج تدريب للعاملين في مجالات الإعلام المختلفة بالإضافة إلى دعم المشاريع البحثية و دعم مشاريع المعاجم الكبرى 1 .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1.عبد الله شقرون ، نفس المرجع السابق ، ص 126.

– تحرير الأرض وتحرير الذات، وتحرير الذات لا يكون إلا بسيادة لغة البلاد، ثورة الفييتنام حققتهما الاثنتان انطلاقا من مقولة زعيمها في كلام موجه للفيتناميين: “حافظوا على صفاء اللغة الفييتنامية كما تحافظون على صفاء عيونكم”.

و يبقى على الصحفيين اعتماد طرق و أدوات منهجية لتجديد اللغة العربية و النهوض بها ،و تأهيلها وتأهيلها لمواكبة تحديات العصر من خلال التعامل مع اللغة على أساس أنها كائن حي قابل للتطور وفق ما يقرره أبناء اللغة ، أي أن تطور اللغة يأتي من إرادة الناطقين بها .

– إحكام العلاقة بين عملية تطوير اللغة و إصلاحها و تحسينها و تجديدها ، و بين المتغيرات التي تعيشها المجتمعات العربية، بحيث تكون عملية التطوير استجابة لتطور المجتمع ، و نابعة من واقعه المعيشي.

– الانفتاح على المستجدات في العالم ، خاصة في مجالات العلوم و التقانة و المعلوماتية و علم اللغة الحديث و السعي إلى الاستفادة الواسعة من نتائج هذه العلوم جميعا في إغناء اللغة العربية و ربطها بحركة الفكر الإنساني .

وهنا كلمات بليغة للأستاذ الدكتور شوقي ضيف يرحمه  الله : يقول الرئيس السابق لمجمع اللغة العربية بالقاهرة: ” إن الكلمة المقروءة ستظل المصدر الحقيقي للثقافة ، إذ معها نستطيع أن نرجع إلى ما قراناه في كتاب أو مسرحية أو ديوان ، و نقرأه مرة أو مرارا ، و تأخذ أذهاننا الفرصة ليزيد محصولها من المعرفة و من الخواطر والأفكار , و ليس ذلك فحسب فإن الثقافة التي تعرضها الكلمة الإذاعية المسموعة ثقافة سطحية تتفق والجماهير التي تستمع إليها من الأميين و غير الأميين ، إذ لا ينبغي أن لا يعلو ما تحمله على المستوى العقلي العام للأمة ، و هي لذلك لا تتعمق في عرض النظريات العلمية ، و لا المذاهب الفلسفية ، بل سيظل ذلك دائما في حوزة الكلمة المسموعة إلا ما قد يسقط فيها عفوا ، أو قد يلم به المتكلم إلماما خاطفا ، و صفات أخرى تحتفظ بها الكلمة المطبوعة و تفقدها الكلمة المسموعة و هي التعمق في قراءة العلوم النظرية و التجريبية و المذاهب الفكرية و الفلسفية ، فأنت مع الكلمة المسموعة تظل دائما عند السطح و القشور و لا تستطيع التغلغل إلى ما وراءهما ، لا في علم و لا في فكر …”1.

و قد تغير الوضع اليوم إذ لم تعد الإذاعات و الفضائيات سواء الوطنية منها أو الأجنبية ، قدوة لتعلم اللغة العربية ، و مدرسة في الإلقاء السليم ، بعد أن غزت العاميات جل وسائل الإعلام ، و استشرى الضعف في اللغة العربية تحريرا و نطقا و شمل الإذاعة و التلفاز و الصحف .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1.الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية و العلوم و الثقافة –إيسيسكو-

و ينبغي أن نقول أن وسائط الإعلام لها دور واسع التأثير، شديد النفوذ في نشر لغة الضاد عبر الآفاق لأنه في الوقت الذي كان  من المفترض تطور اللغة العربية و ازدهارها من الداخل ، اعتباراً لإنتشارها و اتساع نطاق الإقبال عليها من فئات كثيرة، وقع ما يمكن أن نسميه ” التراجع اللغوي” على مستويات متعددة، و قد انعكس هذا الوضع غير الطبيعي على مستوى استخدام اللغة في وسائل الإعلام بدرجات تتفاوت من وسيلة إلى أخرى  .

” إن اللغة العربية تقف اليوم في مفترق الطرق ، فإما أن تتجدد و تتطور لتواكب المتغيرات اللسانية والمستجدات في الوظائف اللغوية ، لتحيا ، و لتقاوم ، و لتثبت وجودها ، و إما أن تنكمش و تتقوقع فتتراجع و تضعف .” 1 وفي ما يأتي  مقترحات عمليّة فى إطار تصوّر متعدّد الأوجه للارتقاء باللّغة العربيّة من خلال وسائل الإعلام وتحديدًا الصّحافة المكتوبة: أ- دعوة القائمين على الإعلام والصّحافة للعمل على تعميم العربية الفصحى كلغة أساسية لجميع وسائل الإعلام العربية.

ب- إدراج مادة قواعد اللّغة العربية وعلم الدلالات في المقرّر الدراسي لكلّيات الإعلام.

ج- إصدار قواميس تتعلّق بالخصوصيات اللّغوية لكل المؤسسات الإعلامية.

د- تفعيل التعاون بين أقسام اللُّغة العربيَّة في الجامعات من ناحية، والهيئات الرسمية للدولة ووسائل الإعلام من ناحية ثانية.

ه- تنظيم مهنة المصّححين اللّغويين للمقالات الصّحفية وإنشاء نقابة خاصة بهم .

و بناءً لما تقدّم، فإنّ المطلوب من وسائلنا الإعلاميّة، والصّحافة المكتوبة على وجه الخصوص، كثير وكبير. إلا أن الكلام وحده لن يُجديَ نفعًا، إن لم يدرك القائمون على هذه الوسائل عظم الجرم الذي يقعون فيه، لأنّ إدراك الخطأ هو أهمّ خطوات الإصلاح. لذا علينا أن نحارب غزو العاميّة للصحف والمجلاّت والقنوات، ثم تجريم كلّ من يتحدّث أو يكتب بها في أيّ وسيلة إعلاميّة كانت، وبالتالي إلزام الإعلام برفض الإعلانات التّجارية المصوغة بالعاميّة أو بلغة أجنبيّة، وعدم بثّها أو نشرها حتى تحوّل إلى الفصحى. فلنعمل تحت راية احتضان مآثر اللّغة من جديد في سبيل الحفاظ على الإرث الفكري والحضاري للعرب 2.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1.الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية و العلوم و الثقافة –إيسيسكو-

2.زينب مجمود عثمان ،واقع اللغة العربية و سبل ترقيتها في وسائل الإعلام المكتوبة ، المجلة التربوية ،المركز التربوي للبحوث و الانماء، لبنان.

قائمة الهوامش :

1.مجلة مجمع اللغة العربية ، بدمشق ، الجزء 4، المجلد 73، نقلا عن الدكتور عبد الرحمن عسيوي في الآثار النفسية و الاجتماعية للتلفزيون، دار النهضة العربية ، بيروت ، 1984. ص 832.

2. تقرير  اليونسكو : “تقرير إجتماع الخبراء في حقل السياسات الإعلامية و التخطيط “، باريس 7ديسمبر 1972.

3.مجلة العربي ، العدد : 587، أكتوبر ، 2007، ص 76.

4.نور الدين بليبل ، الارتقاء بالعربية في وسائل الإعلام، كتاب الأمة ، الدوحة 84، 2001،ص60.

5. عبد العزيز شرف ، المدخل إلى وسائل الإعلام ،دار الكتاب المصري، القاهرة،1989،ص234.

6.Pierre Bourdieu et Jean Claude Passeron, la reproduction, éléments pour une théorie du système d’enseignement, édition de minuit, 1980, p 144.

7.تقرير اليونسكو : ” تقرير اجتماع الخبراء في حقل السياسات الإعلامية و التخطيط “، باريس 7 ديسمبر 1972م .

8.أنظر إلى محاضرة عبد القادر الفاسي الفهري التي ألقاها في المكتبة الوطنية في المغرب حول اللغة العربية في المغرب : إلى أين  12 ماي 2010.و يمكن متابعة الموضوع على الرابط التالي :

http//www.maghress.com/essanad/3222

9.التربـية والتـعليم والـلغة عنـد علال الفاسي للدكتـور عبد القادر الفاسي الفهري ضمن كتاب:” في رحاب فكر علال الفاسي”،مؤسسة علال الفاسي، الرباط،  2000م .

10.الواقع اللغوي في العالم العربي في ضوء هيمنة اللهجات المحلية و اللغة الانجليزية د ,عبد الجواد توفيق محمود . أستاذ اللغويات ، قسم اللغة الإنجليزية ، كلية الآداب ، جامعة أسيوط ،جمهورية مصر العربية.

11.أحمد أمين ، حياتي ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، 1972، ص 81.

12.الدكتور أحمد شفيق  الخطيب ، منهجية بناء المصطلحات ، مجلة ” اللسان العربي” ، العدد 52، الجزء 3، الرباط ، يوليو 1998، ص 537

13.عبد الله شقرون  ، الاعلام و برامج الخدمة العامة للشباب ، جامهة نايف للعلوم الأمنية ، الرياض 1987، ص ص119،110.

14. نور الدين بليبل ، الارتقاء بالعربية في وسائل الإعلام  ، كتاب الأمة 84، الدوحة ، 2001م ، ص 60.

15. زينب مجمود عثمان ،واقع اللغة العربية و سبل ترقيتها في وسائل الإعلام المكتوبة ، المجلة التربوية، المركز التربوي للبحوث و الانماء ،لبنان.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

آخر المواضيع