خزيمة علواني مدمن غرابة .. الفينيق حسين صقور

552

كما الوجع تسيل .. من قمعٍ  إلى برميل

في بوتقة اختبار  .. أنت ملكٌ للأفكار

تسطّرك  .. تكوّرك .. تحوّرك

ترشّ عليك  .. آلاماً .. ترشّ عليك .. أحلاماً

 من بيادر الشوق .. من تعب النهار

من صحاري الصبر والعلقم

من مرارة الأيام .. إذ تحرم

تحقنك بثورة بحر .. وترديك صريع القهر

من تَرَب .. من طرب .. ومن كَرب

تطيل نتوءاً فيك هنا .. تفجر رأساً كان هنا

تفتح ثغراً تنفخ صدراً .. ترسم من أوجاعك عين

تصيّرك.. كما العنقاء ..

كما أجنحة .. كما أحصنة

 كما أشياء بلا أسماء

من مدن الأساطير أنت

من عوالم  الدهشة جئت

في عالمٍ تصيّره الأفكار

أنت  دميةٍ .. لا تحتكم إلى قرار

تتجاوز لوحته حدود الإبداع .. حين يصير الجمال شكلاً من أشكال الفرادة
والاختلاف  في أعماله التي  تصور الصراع الإنساني عبر كائنات أسطورية تنتمي
إلى الماضي ، أو تعيش المستقبل على كوكبٍ آخر أو في زمن آخر .

إنه الفنان خزيمة علواني ، الذي يمتلك مخيلة طفلٍ ، لازالت ذاكرته مرتبطةً
بحياة ما قبل الولادة ، ولازال مشدوداً بكامل وعيه السابق إلى قصص أسطورية ،
وإلى كائنات فضائية . تتبلور الصورة النهائية لعمله عبر سلسلةٍ طويلة من
الاختبارات والدراسات والتحويرات ، فيعكس عمله ذلك الشعور الساحر بالكمال
والتنظيم  . خزيمة علواني مدمن غرابة ، حتى في أجوائه اللونية والانعكاسات
الضوئية الساحرة التي يسلطها على مخلوقاته من زوايا معقدة ، كما لو أنها على
سطح القمر وحتمية انتقالك إلى عوالمه مؤكدة  ، حتى وإن أصابك شيء من الهلع ،
إلا أنك ستبقى أسير مخلوقاته العجيبة في أقصى حدود تطرفها ، تسير خلفها مسلوب
الإرادة كما لو أنها الساحر عازف الناي الذي يسرق من القرية أطفالها ، أما
معزوفتها الخفية فهي تنبعث عبر  هذا الصفاء اللوني الممتد بدرجة واحدة في
الخلفية بحيث تسقط كل احتمالات التشويش الواردة من خط أو درجة لونية ليست
بمكانها ، وهو في هذا يريد أن يؤكد على حجم الإبداع المنبعث من غرابة أشكاله
وتكويناته كمدخل يشدك إلى قراءة دلالتها الرمزية التابعة لحركتها ، فالحصان
رمزٌ للرجولة والشموخ والانطلاق ، تختلف حالته على مسرح اللوحة باختلاف الواقع
، فنراه مكبلاً ضمن  حدودٍ ضيقة  ، ومطعوناً  يصرخ من الألم ليقدم عبر حركته
هذه دراما مؤثرة لها إسقاطاتها على الواقع العربي ضمن الظروف المعاشة  .

وهكذا يمكن أن تجد رموزاً ومعاني في كافة الأشكال التي يرسمها ، كما لو أنها
حياة بديلة أو أحلام سريالية تترجم واقعنا .

تبدو تكويناته لقطاتٍ مأخوذة من على خشبة مسرح ، ممثّلوه مخلوقاتٌ كونية تجمع
الأرواح في جسدٍ واحد  ، وتقدم عالماً موازياً يترجم عالمنا ،  ويتراءى لي من
حيث التكنيك وصوله إلى ألوانٍ معقدة عبر طبقات شفافة ، و مسحات تعتيق يزيدها
هيبةً وغرابة ذلك التوهج الضوئي  الفوسفوري ، وهذا ما يجعله أكثر عمقاً
وتأملاً و فرادةً ، وهو إذ  يستعير من أساطير الشرق ثم يطور أشكاله حد التطرف
، ويضعها في أجواء وأسلوبية تلوين سريالية حينها يتأكد تجاوزه للإتقان والدهشة
في دالي ، وللغرابة والتجدد في بيكاسو إلى عمق وألق خزيمة .

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

آخر المواضيع