بطل من ورق وقصص أخرى قصيرة جدّا

335

بطل من ورق وقصص أخرى قصيرة جدّا

بقلم: حسن سالمي   

 

بطل من ورق

الحياة كذبة، وهم خادع. بتُّ على يقين من أنّي لست على شيء من إرادتي. وما أنا إلاّ قشّة في مهبّ إرادة أكبر منّي.

ذات صباح ولسبب غامض خرجت من البيت ولم أودّع أهلي.. يممّت وجهي صوب الجسر، لا أدري لماذا الجسر تحديدا، كان يمكن أن تكون الوسيلة، سُمًّا أو سكّينا أو طلقة نار…

تأمّلت صفحة الماء، كانت بعيدة عميقة، تخيّلتني أتخبّط في لـجّتها. تساءلت، ما كنه عالم الآباد؟

وهممت بالقفز… فجأة ابيضّت السّماء ودنت من رأسي. ثمّ وجدتني أُعصَر بينها وبين الأرض… الزّمن صفر، وهمهمات ترتفع من حولي: عالمنا ورق، كمشته يد ورمت به إلى المزبلة!

 

جاري

 

جاري رجل طيّب، يعشق الزّبالة وتربية الكلاب…

إذا فتحت بابي نهارا جرحت عيني نفاياته التي يملأ بها الشّارع، وإذا أغلقته ليلا ضجّ الحيّ بنباح كلابه.. في البداية كان الكرى أعزّ علينا من طلب النّجوم، لكن بعد عقد من الزّمن صار لا يزورنا إلاّ اذا اشتعل الجوّ نباحا.. وإنّه ليأتي علينا حين تسكت فيه الكلاب، فيغادرنا الكرى، فلا أجد بُدًّا من رفع عقيرتي بِ:

هب، هب، هب……. فلا أسكت حتّى ينام كلّ من في البيت…

 

الذّبيح

أسبّه في باطني وأتبسّم له إذا لقيته.. مذ رماني القدر إلى جواره وعشرات الكلاب تطلّ عليّ من سطح بيته.. أنا الآخر بِتُّ أسمّيها بأنواعها: بِرجي، كنيش، شيان لو، دوبرمان، سلوقي، عربي…

لم أحبّ كلبا كما أحببته. أشعر أنّ صلتي به تعود إلى عهود غابرة، إلى ما قبل أن أولد.. كبر على عيني وأصبح جزءا ممّا تعودت رؤيته. ما رآني قطّ إلاّ بصبص بذنَبِه مرحبّا…

افتقدته لأيّام خلت. سألت عنه الجار فسكت.. أرسلت بصري فأرعى انتباهي كيس يطنّ حوله الذّباب.. من مزَقِه رأيت جلد صاحبي ورأسه المقطوع…

من يومئذ لم أكفّ عن العواء…

 

السيّد إكس

في مكتب مغلق بعيدا عن الأضواء، قال السيّد إكس بصوت خفيض:

“غدا إذا اختلط الحابل بالنّابل، حرّضوا النّاس على رشق الشّرطة بالحجارة، فإنّه إذا تزعزع كرسيّ السلطان كان في أيدينا!”

*****

ورائحة المجزرة تسافر شرقا وغربا، خطب السيّد إكس:

“إنّا ندين العنف، مهما كان مأتاه.”!

تستعر القاعة بالتّصفيق.. ثمّ تنزل السّكينة على النّاس، فيرفع السيّد إكس صوته بالنّشيد الوطني، والجمع الغفير يردّد خلفه: “حماة الحِمى يا حماة الحِمى. هلمّوا، هلمّوا لمجد الزّمن…”!

خيبـــــــــــــــة

ترمي الواحة بظلالها على الوادي.. وشمس المساء تنفذ من بين جريد النّخل، وترمي بقبضة من ذهبها على صفحة الماء.. من الشّرق هبّت ريح خريفيّة باردة، صفعت وجْهَيْ ذلكما الرّجلين.. بينهما قلّة قيشم*، وكأسان، وسَردِينٌ مشويّ، وسرب ذباب.. قال أثقلهما سُكرا: “لو كنتُ رئيسا لقتلت كلّ هذا النّخل”..

قال الآخر بعد أن عبّ من كأسه…

هنا أسمع زوجتي تصرخ كعادتها: “ما جنيتَ من ورقك هذا. أفلا تعينني على أبنائك؟”

أضع قلمي، وألملم ورقي، وأنصرف وفي صدري غصّة…

ـــــــــــــــــــــــــــــ

* قيشم: سَكَرُ النّخل

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

آخر المواضيع