القتل من أجل غسل العار

990

سأسلط الضوء على أصعب وأبشع جريمة تقوم بها مجتمعاتنا المتخلفة عذراً أقول متخلفة لكن هذه هي الحقيقة لولا التخلف المستشري في بلداننا ومجتمعاتنا لما رأينا فيه وسمعنا منذ الأزل قتل الأنثى وتسميته ” غسل العار ” لشك أو يقين علاقتها العاطفية مع احد الشبان والإعجاب به والذي سببه غريزة الحب والعاطفة التي تشتعل فتيلها في فترة المراهقة ومن الكبت المقيت للعادات والتقاليد المتبعة في مجتمعاتنا حيث يحيطون أولادهم بها ذكوراً وإناثاً دون توجيههم وتعليمهم أسس الصداقة الصحية والصحيحة بينهم لتفادي الأخطاء والعواقب التي تواجههم وتواجه عوائلهم ومجتمعاتهم في اللقائات العائلية أو المفردة . والضحية في غالب الأحيان أنثى مراهقة جاهلة لم يحذرها أحد أو لم يوضح لها أحد ماهية العلاقات العاطفية والجنسية وعواقبها . لأن العوائل في مجتمعاتنا لاتحاول مفاتحة هذه المواضيع مع أطفالهم لإعتباره موضوع مخجل لايجوز التكلم به وعند وصول أولادهم عمر المراهقة يبدأ نضوج أجسامهم وإفراز هرموناتهم وتشتد لديهم غريزة التقرب من الجنس الآخر مع جهلهم الكامل للمواضيع والعلاقات الجنسية وعواقبها وتأثير الكبت عليهم فمن المؤكد تكون أخطاء لقائهم ببعضهم فيها أخطاء جسيمة في بعض الأحيان . واللقاء غالباً يبت به الذكر لأن الأنثى لا تملك الشجاعة والجرأة الكافية في مجتمعاتنا لترتيب أي لقاء مع الشباب من عمرها وبقبولها اللقاء تغدو هي الضحية وتكون نهايتها القتل بسبب وشاية أحد الحاقدين أو الحساد الذين يكتشفون ذاك اللقاء السري حتى وإن كان لقاءاً بريئاً في طلبه ومجرياته .
السؤال البديهي هنا ماهو العار الذي يتسبب من لقاء أثنين محبين لبعضهم ؟ أليس من واجب مجتمعاتنا التفكير بصورة منطقية وعلمية رصينة ومدروسة ليعلموا أنفسهم وأجيالهم أهمية اللقاءات الإجتماعية الصحيحة والصحية لجميع أفراد المجتمع لبث المحبة والتفاهم بينهم ومن ضمنها اللقاءات الودية العاطفية بين الشباب حيث يجب زيادة التركيز عليها لانها الطريق الوحيد لتقليل أخطاء وعواقب لقائاتهم كونها تخمد لديهم شعلة فتيلة المراهقة المكبوتة وتأثيرها . كذلك واجب مجتمعاتنا الإيمان بالمعلومات العلمية التي تخص اللقاءات العاطفية وأهميتها في حياة الإنسان . وعليهم التزود بالمعرفة التامة والتأكد بأنه كما يحتاج الجسم تزويده بالطعام والشراب يوميا لعدة وجبات ومدى الحياة . هكذا الصداقة والحب والعشرة الجميلة والعلاقات الإجتماعية والعاطفية والجنسية يحتاجها الجسم والروح كغذاء تتزود به مدى الحياة  .  فلماذا القتل تكون حصة الأنثى فقط عند لقائها بمن تحبه والذي هو حاجتها الطبيعية . وينجو منها الذكر الذي يمارس حاجته الطبيعية من العلاقات ضمن المجتمع بحرية ومعها التشجيع من الأهل والأصدقاء .
السؤال البديهي والمهم هنا لماذا العلاقات العاطفية والجنسية حلال على جنس الرجال في مجتمعاتنا وحرام على جنس النساء ؟
هناك أسئلة كثيرة علينا طرحها والتفكير بها جلياً كي نزيل هذه الظاهرة المقيتة والظالمة من مجتمعاتنا قتل ” لغسل العار”  والتي تعتبر أبشع جريمة بحق الإناث .  لأن حكم وقرار القتل يصدر من أهل وأقرباء الضحية الناس المحبين لها وهي من دمهم ولحمهم وتربت معهم حيث ينقلبون عليها فجأة لسبب خارج عن سيطرتها لينهوا حياتها ويحكموا عليها بالموت دون حق مشروع بسبب شكهم أو ربما يقينهم لعلاقة هي في الأصل طبيعية وغريزية عند البشر ومتواجدة في تكوين الإنسان منذ الخليقة وسر من أسرار الوجود وأستمرار الحياة . وكما نحاول تحسين الأكل والشرب لكافة شرائح المجتمع لزيادة فوائده وتقليل أضراره كذلك علينا تحسين العلاقات الودية والعاطفية في المجتمع وجعله يتسلح بالأخلاق الراقية والنتائج الصحيحة والصحية من خلال التثقيف والمفهومية الكاملة لكل ما يحتويه ويحيطه لزيادة فوائده وتقليل أضراره على المجتمع  .
السؤال الأخير لماذا نحدد أن يكون التثقيف وفهم فسلجة الجسم قبل سن المراهقة ؟ لأن فيه يبدأ الجسم بالنضوج وإفراز الهرمونات وتتولد الرغبة الجنسية لدى الجنسين وقابلية الدماغ تكون محدودة في تلك الفترة لفهم الصح من الخطأ . من دون معرفة جميع الحقائق حول فسلجة الجسم والتغيرات التي تطرأ على الجسم في فترة المراهقة ولجهلهم  كيفية التصرف في تلك الفترة الحرجة يدعهم يعانون من مشاكل كثيرة وعواقب وخيمة للطرفين الأنثى والذكر كذلك عوائلهم ومجتمعاتهم   .
سأتطرق هنا  لذكر إحدى حالات قتل ” غسل العار ” حيث شاركت بالفحص على جثتها لبيان الأسباب الحقيقة لقتلها عندما كنت طبيبة قرى وأرياف في مسقط رأسي ” زاخو ” لأدعكم في الصورة الواقعية لهكذا جرائم ظالمة وغير منصفة ولكي أوضح لكم بأن قيام الأهل بقتل بناتهم هي من أصعب الأمور عندما يفقدون توازنهم وعقلهم وأعصابهم عند رؤية أو سماع أو وشاية أحد بأن أبنتهم تحب شخصاً أو كان لها لقاء مع أحد فيتم قتلها في الحال لتصورهم المريض ومعتقداتهم الإجتماعية الخاطئة بأنها تجلب العار لهم بلقائها وعلاقاتها العاطفية مع من تحب وقتلها يكون لغسل العار الذي تسببت به للعائلة وبعد قتلها لاينفع الندم عندما يكتشفوا خطأهم وبراءة أبنتهم أو إيمانهم بعد القتل بأن ما قامت به كان حق مشروع لها ومافعلوه ليس من حقهم مطلقاً  .
كنت في غرفتي للعيادة الخارجية منهمكة بفحص المرضى وغالبيتهم كانوا من النساء وبعد ساعات من العمل المستمر أستدعاني مدير المستشفى الدكتور شمعون ياقو كي أشارك معه بلجنة فحص جثة فتاة صغيرة حيث كان قد استلمها مع ورقة الشرطة فيها طلب إجراء الفحص الطبي العدلي على الجثة لتثبيت العلامات الواضحة للقتل والآثار الدالة التي تساعد في كشف وبيان أسباب القتل من قبل الجاني كذلك القيام بفحص غشاء البكارة لعلاقتها المباشرة بأسباب هكذا جريمة وتقدير زمن جريمة القتل أو أي دلالة تساعد الحاكم للبت في قرار الحكم . عند دخولي للغرفة التي ترقد فيها الجثة على سرير فحص كانت تتوسط الغرفة وهي مغطاة بشرشف أبيض كانت الأجواء تنطق بالحزن والرهبة شعرت معها بغثيان وقشعريرة سرت في بدني حيث كنت يومها في بداية العشرين من عمري رغم إنها ليست المرة الأولى التي أحضر لمشاهدة هكذا حالة . لأنني في فترة دوامي في كلية طب الموصل وفي إحدى حصص الطب العدلي للتدريب العملي رأيت حالة مشابهة لقتيلة بعمر العشرين قتلها أيضاً كان لغسل العار . كانت تلك القتيلة آية في الجمال والأناقة حيث كان واضحاً من مكياجها وصبغ أظافرها وملابسها التي كانت عليها لأن قتلها كان قبل وقت قصير من حضورنا كطلاب مع الأستاذ لمشاهدتها . وعلق الأكثرية من الطلاب حينها بأن جمالها وأناقتها هو أحد مسببات مشكلتها وقتلها . كانت ممدودة على سرير في الطب العدلي وأعلمنا الأستاذ في الطب العدلي بأنها قتلت من قبل شقيقها وبمسدس مهنته كضابط كما وصلته المعلومات لعلمه بعلاقتها مع صديقه الحميم حيث لدى سماعه بقصة علاقتهم جن جنونه وقتلها باللحظة .
الآن سأرجع للحديث عن الفتاة المراهقة والتي أشتركت بالفحص على جثتها في ” مستشفى زاخو ” عندما تقربت من الجثة التي أستدعيت لفحصها مع الدكتور شمعون مع معاناة الحزن والقلق والهلع لرؤيتها وهي بهذه الحالة وهذا المصير طلبت من الدكتور شمعون توضيح الموضوع لي كما هو يعلم وأستفسرت منه عن سبب القتل أعلمني بأنها  تبلغ الرابعة عشر من العمر كانت تعمل في مزرعتهم والمزرعة في ضواحي زاخو وبأعتقاد أهلها بأنها على علاقة بأحد الشبان ويلتقون معاً في المزرعة فقاموا بقتلها قبل ساعات من جلبها من قبل الشرطة للمستشفى ومعهم ورقة يطلبون فيها إجراء الفحص الطبي العدلي على الجثة. أعلمني الدكتور شمعون بأنه قام بتشريحها قبل مجيئي وأكمل الفحص الطبي من جانبه على مجمل أعضاء جسدها وكذلك فحص علامات الشدة الخارجية على الجلد والإزرقاق وتحديد زمن الوفاة كذلك مداخل ومخارج الطلقات وقام بتثبيت جميع ملاحظاته من العلامات الدالة على الجثة ودونها في ورقة الشرطة ومابقي هو إجراء الفحص النسائي عليها والذي يحتاجني للقيام به وهو السبب الرئيسي والمباشر لقتلها فطلبت بدوري بعد تأكدي من كل ماقام به الدكتور شمعون أخذ عدد من المسحات من أعضائها الجنسية الخارجية والمهبل مباشرة للتأكد من ممارستها للجنس من عدمه لوجود أو غياب الحيامن في المسحات التي نقوم بأخذها . ثم أجريت فحص غشاء البكارة ومعي الدكتور شمعون كانت الضحية باكر لأن غشاء البكارة كان سليم ولم نشاهد أي علامة دالة تؤكد ممارستها للجنس مطلقاً حتى المهبل لم يكن فيه توسع وخالي من السوائل وأقصد هنا السائل المنوي في حالة ممارستها للجنس والرحم كان حجمه صغير وطبيعي لعمرها وفي منطقة الحوض والذي كان واضحاً بسبب التشريح الذي قام به د. شمعون لينفي الحمل لديها حسب إدعاء أهلها لعلاقتها الطويلة بمن تحبه . وتوضحت لكلينا بأنها لم تمارس الجنس في كل حياتها وقمت بفحص صدرها أيضاً ( الثديين ) كانوا صغيرين وطبيعيين لعمرها ولا توجد أي علامة دالة تؤكد التلاعب بهم وتأكدت من خلو إفراز الحليب خلال حلمة الثديين.  وكان في صدرها من الجهة اليسرى فتحة دخول إحدى الطلقات النارية التي أخترقت الجهة اليسرى من صدرها وفتحة ثانية في رقبتها وتسببت هذه الطلقات النارية بموتها في الحال بسبب النزيف والصدمة . ووصلنا أنا والدكتور شمعون لقرار بأن قتلها كان خطأًً جسيماً وقمت بدوري بتثبيت كل المعلومات التي تخص مهنتي في ورقة الشرطة لنكمل بها الفحص الطبي العدلي وبكل وضوح . وأبديت رأي الصريح وبكل جرأة ولليوم لاأنسى هذه الفتاة الصغيرة الجميلة والبريئة التي أنهيت حياتها لمجرد الشك أو ربما لوشاية أحد مغرض .

د . ڤيان النجار  / بقلمي/ 26/2/2019

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

آخر المواضيع